حدائق اللغات والعلوم الإنسانية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حدائق اللغات والعلوم الإنسانية

منتدى تعليمي أدبي تربوي تثقيفي
 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الطاقة الحجاجية للتشبيه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مصطفى بن الحاج

مصطفى بن الحاج


عدد الرسائل : 6067
العمر : 60
المنطقة : السوقر ولاية تيارت
المهنة /مكان العمل : أستاذ اللغة العربية و آدابها/ثانوية قاديري خالد
تاريخ التسجيل : 27/04/2008

الطاقة الحجاجية للتشبيه Empty
مُساهمةموضوع: الطاقة الحجاجية للتشبيه   الطاقة الحجاجية للتشبيه I_icon_minitimeالخميس 5 مايو 2011 - 19:53

الطاقة الحجاجية للتشبيه:
التشبيه أوسع أنواع البيان انتشارا ، بل لا أبالغ إن قلت إنه أصل كل صورة وإن لم تكن تشبيها ، وقد تفاوتت قيمته بحسب نوعه ، وأكون دقيقا أكثر فأقول : إن قيمته تزداد إذا وظف توظيفا يخدم المعنى ، ويمكن أن أذهب إلى أن التشبيه كلما كان به حذف لأحد الأركان كان أفضل ؛ وذلك لأنه يشد المدارك ، ويكون للعقل حضور ، حيث يحاول أن يسد المكان الفارغ ، أو المحل الشاغر على حد تعبير الدكتور عبد الله صولة رحمه الله، وفيما يلي عرض لبيت شعر من الأبيات الشرودة ، التي ذاع صيتها ، وقد اتخذته شاهدا لبيان قيمة التشبيه الحجاجية :
قال المتنبي():
"فإن تفق الأنام وأنت منهم
فإن المسك بعض دم الغزال"‏()
التشبيه هنا تشبيه ضمني، سمي ضمنيا؛ لأنه يفهم ضمن القول وسياق الكلام. فقد "أراد أنه فاق الأنام وفاتهم إلى حدٍّ بَطَل معه أن يكون بينه وبينهم مشابهةٌ ومقاربةٌ، بل صار كأنه أصلٌ بنفسه وجنسٌ برأسه، وهذا أمرٌ غريب، وهو أن يتناهى بعض أجزاء الجنس في الفضائل الخاصّة به إلى أن يصير كأنه ليس من ذلك الجنس، وبالمدَّعِي له حاجة إلى أن يصحّح دعواه في جواز وجوده على الجملة إلى أن يجيء إلى وجوده في الممدوح، فإذا قال: فإن المسك بعض دم الغزال، فقد احتجّ لدعواه، وأبان أن لما ادّعاه أصلاً في الوجود، وبرّأ نفسه من ضَعَة الكذب، وباعَدها من سَفَه المُقدِم على غير بصيرة، والمتوسِّع في الدعوى من غير بيّنة، وذلك أن المسك قد خرج عن صفة الدم وحقيقته، حتى لايُعَدُّ في جنسه، إذ لا يوجد في الدم شيء من أوصافه الشريفة الخاصة بوجه من الوجوه، لا ما قلّ ولا ما كثُر، ولا في المسك شيء من الأوصاف التي كان لها الدم دماً البتة"().
استشهد عبد القاهر الجرجاني وهو يعدد أغراض التشبيه حيث أورده تحت قوله:" بيان إمكان المشبه بإيراد التشبيه كبرهان له"
وقد استخدم الشاعر التشبيه حجة لإقناع المخاطب بتفرده، فإنه يقال إن هناك غزلان معينة تسمى غزال المسك يمرنونها على رياضات معينة ثم ينفتح في بطنها سرة ويحكمون عزل هذه السرة عن بقية البدن بخيط يربطونها جيداً حتى لا يصل إليها الدم وبعد مدة تنفصل تيبس تنفصل هذا الدم الذي فيها هو المسك وهو من أطيب أنواع الطيب أصل هذا المسك ماهو؟ ما أصله؟ الدم ومع ذلك صار طيباً لا نظير له، أنت أيضاً يقول أنت أيها المخاطَب أنت من الأنام من تراب ثم من نطفة ولكنك تفوقهم كما يفوق المسك دم الغزال.
وقيمة التشبيه لا ترجع فقط للعلاقة بين طرفيه ، فقد ذكر الدكتور رجاء عيد في فلسفة البلاغة أن قيمة التشبيه مكتسبة من الموقف التعبيري ()،فالتشبيه -هنا- ليس حلية أو زينة لفظية بل هو يعبر عن النفس ، ويصور ما يدور في الخاطر والعقل ، ويقرب المسافات بين ما هو محسوس وما هو ملموس ، فيجعل العقل يقبل العلاقات القائمة بين الأشياء ، بل قد يقيم علاقات يأبى العقل أن يقبلها ، فيجعل العقل يسلم بها ويقرها لا لشيء إلا لأنها اشتملت على طرافة وإبداع.
وقد ظهر ذلك جليا خلال هذا البيت الذي به من الطرافة ما يدهش العقل ويحير اللب، فالمتنبي امتلك ناصية اللغة وأخذ بزمامها ، فهي تنقاد له انقياد الدابة لصاحبها، فقد أراد أن يمدح سيف الدولة ، فكيف يمدحه ؟ أيمدحه بوصفه بالبحر أو الأسد أو غير ذلك ؟ إن هذه الصور عفا عليها الزمن ، إن المتنبي يبحث عن الجديد ، ليس جديدا في المعنى فقط ، بل جديدا في التراكيب ، في النظم على حد تعبير عبد القاهر الجرجاني() ، إنه يبحث وينقب عن هياكل أسلوبية لم تسبق ، وقد أتحف السامع بهذه الصورة التي تستوقف الفكر والوجدان كليهما ، إنه أراد أن يقول للممدوحه أنت الذي لامثيل لك في الأنام ، وهذا يمكن أن يتهم القائل به بالمبالغة أو النفاق ، فالوصف يجب أن يكون قريبا من الموصوف ، وإن لم يكن كذلك فليكن بأوصاف معروفة عند الناس ، أما أن تدعي شيئا ، وتزعم أنه حقيقة ، لإنك ستجد من يقف أمامك ويقول ما حجتك ؟ ولذا فقد كان المتنبي حاضر الذهن ، حيث جاء بالحجة الدامغة ، والدلالة القاطعة ، لإن المسك بعض دم الغزال.
حجة عقلية لا ينكرها العقل تعتمد على القياس المضمر، فللتشبيه قيمة حجاجية كبيرة ،حيث يميل الإنسان بفطرته إلى التأكد من أن السامع استوعب الفكرة تماماً كما هي في نفسه ويرغب المتكلم أن يشعر بأن السامع أدرك الصورة التي يريد أن ينقلها إليه مثلما أحس بها هو وشاهدها ويشعر المرء بالارتياح والسعادة إذا استطاع أن ينقل إلى الآخرين ما عنده من فكر وما مر به من تجربه ولذا فإنه يركن إلى التشبيه بوصفه وسيلة حجاجية تمكنه من توصيل المعنى إلى قلب السامع .
وبذلك نجد أن التشبيه الحجاجي لا يؤتى به ليكون زينة زخرفية تحسينية ، بل ليزيد المعنى وضوحا فيقتنع به المتلقي ،وذلك لأن " الصورة التشبيهية أو التمثيلية تتعاون قوى النفس ( الفكر والخيال ) في فهمها ، لذلك كان التشبيه أداة ناجحة في الوصول إلى الهدف ، لما يترتب عليه من شغل الباطن ، وشغل الحس الظاهر ، فهي تمتلك النفوس بكل ما فيها من قوى فكرية أو خيالية ، علاوة على أن النفس بها آنس ، ولها أميل "().
ولم يأت التشبيه وحده ، أو لنقل : إن التشبيه لم يكن ليكون بهذه الروعة والطرافة ، لولا مجيئه في هيكل أسلوبي رائع ،فالفاء في قوله: "فإن المسك" للتعليل، وجواب الشرط محذوف، تقديره: فلا غرابة في ذلك.
والحذف باب من أبواب البلاغة العربية معروف ، والقرآن قد اعتمد عليه اعتمادا كبيرا ؛ لما فيه من إثارة للذهن ، وشد للانتباه ، وإعمال للعقل.ونجد أنه ذكر جملة (وأنت منهم) ليزيد الغرابة ، وقد تغنى المتنبي بهذه المزية ونسبها لنفسه ، فقال:
وما أنا منهم بالعيش فيهم ولكن معدن الذهب الرغام.
فالشعر يأتي بحجج عقلية لما يدعيه لنفسه أو لغيره ، وهذا ما يطلق عليه عند لبلاغيين " المذهب الكلامي" وهو نوع كبير من البلاغة نسبت تسميته إلى الجاحظ (ت255هـ) ، وهو في الاصطلاح: أن يأتي البليغ على صحة ودعواه ، وإبطال دعـوى خصمه ، بحجة قاطعة عقلية تصح نسبتها الى علم الكلام ، إذ علم الكلام عبارة عن إثبات أصول الدين بالبراهين العقلية القاطعة() .
وعرفه البقاعي بقوله: " هو إيراد حجـة تكـون بعد تسليم المقدمات مستلزمة للمطلوب "().
وختاما أستودعكم الله وألقاكم على خير.

أبومحمد أكتوبر 2010
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الطاقة الحجاجية للتشبيه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حدائق اللغات والعلوم الإنسانية :: منتديات اللغة العربية و آدابها :: منتدى البلاغــــة والعروض-
انتقل الى: