حدائق اللغات والعلوم الإنسانية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حدائق اللغات والعلوم الإنسانية

منتدى تعليمي أدبي تربوي تثقيفي
 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 من بلاغة الإقناع في الحوار القرآني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مصطفى بن الحاج

مصطفى بن الحاج


عدد الرسائل : 6067
العمر : 60
المنطقة : السوقر ولاية تيارت
المهنة /مكان العمل : أستاذ اللغة العربية و آدابها/ثانوية قاديري خالد
تاريخ التسجيل : 27/04/2008

من بلاغة الإقناع في الحوار القرآني Empty
مُساهمةموضوع: من بلاغة الإقناع في الحوار القرآني   من بلاغة الإقناع في الحوار القرآني I_icon_minitimeالخميس 18 أغسطس 2011 - 8:01

من بلاغة الإقناع في الحوار القرآني
.أيمن أبومصطفى.

رب أسألك التوفيق والسداد
هذه محاولة مني لفهم النص القرآني في رحاب البلاغة واللغة ، فلولا القرآن ما كانت البلاغة . وأدعو الله تعالى أن يجعل التوفيق حليفا لي ، وأن يهديني إلى استخراج الدرر القرآنية التي لا تنكشف إلا لعباده الصالحين ، وحسبي أني حاولت واجتهدت لأحظى بشرف البحث حول دلائل القرآن الكريم وآياته .
وألتمس من القاريء الحبيب أن يرفق بي ، فما أنا إلا كبحار ركب بحرا متلاطم الأمواج بسفينة ضعيفة واهيه ، فإن أحسنت فتكفيني دعوتك بظهر الغيب ، وإلا فحسبي استغفاري واستغفارك والله غفور رحيم .
منذ فترة وجيزة شغلني إعجاز القرآن وملك عليَّ وقتي حتى تفرغت للتأمل ، رغم كثرة المشاغل والأعباء ،ورأيت أن إعجاز القرآن شيء لا يمكن الوصول إلى سره ؛ لأننا لو استطعنا أن نقف على وجوه الإعجاز جميعها لسقط الإعجاز عن القرآن ، ولكن كل منا يدلو بدلوه محاولا الوقوف على بعض أسرار القرآن الكثيرة . وقد بينت ذلك في مقالة بعنوان " من مكان إلى مكان".
وبحكم تخصصي في البلاغة رأيت أن أبين للناس أثر البلاغة في فهم النص القرآني ، وينبغي أن أنوه إلى أهمية أن يتخلى الناس عن الفهم الخاطيء للبلاغة ؛ فبعض الناس يرى أن البلاغة ما هي إلا وسيلة للتحسين والتزيين ،وهذا يتنافى مع الفهم الصحيح الذي يذهب إلى أن البلاغة تتداخل مع المعنى كتداخل الماء في النبات ، فلا ينفصل أحدهما عن الآخر إلا ويؤدي إلى هلاك الكل.
ومما جعلني أرى ضرورة ذلك أن القرآن الكريم به درر بلاغية دعوية يجب أن يلتفت إليها الدعاة والبلاغيون واللغويون بل وجميع المسلمين ، فالاستفهام القرآني جدير بالبحث والتأمل ، وأنا على يقين من أنه درس أكثر من مرة ، ولكني أرى ضرورة دراسته دراسة بلاغية تبين ما فيه من قدرة إقناعية . وربما تناولت ذلك في مستقبل حياتي بإذن الله تعالى.

وكان هدفي أن أوضح لإخواني من الأئمة والدعاة أهمية الوقوف على الملامح البلاغية ، ومعرفة وسائل الإقناع البلاغية ، في توصيل المعلومة إلى السامع.خاصة وقد لمست منهم رغبة وحرصا على إقناع الجماهير المسلمة التي تجلس بين أيديهم .
واتخذت بعض النصوص القرآنية نموذجا للشرح والتوضيح ، وأدعو الله أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم ، وأن يتقبله مني ، ويجعله في ميزان حسناتي ، وأن يغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين ، وأن يبارك لي فيمن شد من أزري وقال لي كلمة دفعتني إلى المضي قدما في البحث والتأمل .وأن يحقق لي آمالى وطموحاتي ، إن الله سميع مجيب الدعاء.

تقديم لا بد منه:
يقوم القرآن بعرض صورتين متناقضتين : صورة نعيم أهل الجنة ، وصورة عذاب أهل النار، وكذلك الكون يقوم على الاختلاف والتباين " إِنّ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ الْلّيْلِ وَالنّهَارِ لاَيَاتٍ لاُوْلِي الألْبَابِ"وكأنه تعالى يريد من العباد أن يتأملوا العواقب ، فيتذكر أولو الألباب .
والله تعالى يبدأ أغلب الآيات بعرض جزاء الكافرين ،للتهويل والترهيب ، ثم يعرض عاقبة المتقين للطمأنة والترغيب ، يقول تعالى" لاَ يَسْتَوِيَ أَصْحَابُ النّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنّةِ أَصْحَابُ الْجَنّةِ هُمُ الْفَآئِزُونَ"ويقول:" وَلِلّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ عَذَابُ جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُواْ بَلَىَ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزّلَ اللّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ وَقَالُواْ لَوْ كُنّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنّا فِيَ أَصْحَابِ السّعِيرِ فَاعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لأصْحَابِ السّعِير " ويقول بعدها " إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ " ويقول في سورة النبأ"ِإِنّ جَهَنّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً لّلطّاغِينَ مَآبالاّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً لاّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً إِلاّ حَمِيماً وَغَسّاقاً جَزَآءً وِفَاقاً إِنّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً وَكَذّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذّاباً وَكُلّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباًفَذُوقُواْ فَلَن نّزِيدَكُمْ إِلاّ عَذاباً"ثم يقول بعدها: "إِنّ لِلْمُتّقِينَ مَفَازاً حَدَآئِقَ وَأَعْنَابا وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباوَكَأْساً دِهَاقاً".
وفال تعالى:" وَسِيقَ الّذِينَ كَـفَرُوَاْ إِلَىَ جَهَنّمَ زُمَراً حَتّىَ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـَذَا قَالُواْ بَلَىَ وَلَـَكِنْ حَقّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوَاْ أَبْوَابَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَـبّرِينَ"ويقول بعدذلك:" {وَسِيقَ الّذِينَ اتّقَوْاْ رَبّهُمْ إِلَى الّجَنّةِ زُمَراً حَتّىَ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَـالُواْ الْحَـمْدُ للّهِ الّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ نَتَبَوّأُ مِنَ الْجَنّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ"
وهكذا في أكثر من موضع في القرآن الكريم ، وهي ظاهرة يجب ألا تمر علينا دون ترو ، أو تفهم لدلالاتها ، فيجب أن يتعلم منها كل من حمل على عنقه عبء الدعوة إلى الله ، فعلى الخطيب أن يجمع في خطبته بين الترهيب والترغيب ، يذكر عاقبة الفريقين ، ويبين بالأدلة والبراهين صحة ما يدعو إليه ،ثم يترك السامع لنفسه ، حتى لا يمل من النصح ، فكم من أناس لديهم استعداد لتقبل منهج الله والسير على الدرب القويم ولكنهم لا يجدون من يأخذ بأيديهم إلى الشاطيء بعيداً عن الرياح والأعاصير ، وإن وجدوا يجدوا رجلا يملي عليهم الأوامر وكأنها فرمانات استبدادية أرسلها حاكم طاغية ، وهذا لعمري فساد كبير.
يجب أن يشعر الإنسان بإنسانيته ، وأن يعلم أن هذا الدين يحترم العقول ، ولو أننا تدبرنا القرآن جيداً لوجدناه يقول " وقل الحق من ربكم" أي عليك التبليغ ، وأما الهداية فمن الله " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" بلغ الناس وقل لهم : هذا هو الدين ، وتلك هي شرائعه . ودعهم لعقولهم ، قال تعالى :" فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا" .
ونجد المولى تبارك وتعالى يقول " إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون" " وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون" " إن في ذلك لآيات لأولي النهى" " إن في ذلك لآيات لألي الألباب" فالقرآن يخاطب العقول . فهل يعي الدعاة ذلك ؟ هل يمكن أن يضع في ذهنه وهو يعد الخطبة أنه يخاطب العقول ، التي ميز الله بها الإنسان على سائر المخلوقات؟ هل يحترم المتكلم عقل السامع فيعد له ما يناسبه ويدفعه للأمام ؟ هذا ما أرجوه . والله المستعان.
قال تعالى " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن.". وهل هناك حكمة أعظم أو أحسن من أن تيبين للناس العواقب والنتائج ، ثم تتركهم لعقولهم . قال تعالى " إن هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا"
وفيما يلي أقدم لك تأملاتي في النص القرآني ، محاولا بيان ما قدمته لك في السطور السابقة:

النموذج الأول
من سورة ( يس )

[وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنقِذُونِ (23) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24)]
جاء هذا الرجل – ولا تشغلنا معرفة اسمه ،لأن العبرة بعموم المعنى لا بخصوص اللفظ – الذي حمل عبء الدعوة والتبليغ ، جاء وهو يسرع الخطى حرصا منه على نجاة قومه من النار والهلاك.وحرصا على نصرة دين الله ، وهكذا يجب أن يكون حال جميع المؤمنين ، إن أرادوا النجاة ، ونلاحظ أن الله تعالى استخدم كلمة رجل ( وهي نكرة ) للدلالة على عموم اللفظ ، وتلميحا إلى أن هذا الرجل لم يكن معروفا بين الناس بالوجاهة والسلطان ، والدليل أنهم قتلوه لما صاح بالحق ، وقال : ربي الله . وكلمة رجل لا تعني الذكورة ، بل تعني عدة صفات من أهمها الغيرة على محارم الله ، والدفاع عن دينه ونبيه وكتابه بالنفس والأهل والمال ، فكم من ذكور أشبه بالنساء ، عاشوا للدنياء وماتوا كأنهم لم يعيشوا ، وهذا شيء عجاب ، كانوا في الماضي يعيبون الرجل إن لم يكن له هدف يسعى إليه غير المال والبنون ، ويعدون ذلك جرما وذنبا عظيما ، ألم يدخل الحطيئة السجن لأنه قال لأحد الناس :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي.
ولو أن كلمة (رجل ) تطلق على كل ذكر ، لما قال الله تعالى" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" .
ومن تفيد في اللغة التبعيض ، فليس كل من شهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله رجلا ، وإنما الرجل من دافع من أجل نصرتها؛ حتى يقول للدنيا جميعها : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله .
ماذا قال هذا الرجل: " قال يقوم اتبعو المرسلين " ياقوم ، ما أجملها من بداية ، توحي بالحب ، توحي بالرفق ، توحي بـ.....فهم منه وهو منهم ، وهكذا يكون الداعية أو يجب أن يكون الداعية ، أما ما نراه الآن من الاستعلاء والكبر ، فليس هذا جديرا بأهل القرآن والسنة ، الذين يبلغون أفضل رسالة ، ويحملون بين ضلوعهم أجمل الكلمات ، ارفق بالناس ، حتى يحبوك ، فإن هم أحبوك أطاعوك .
(اتبعوا المرسلين) تلك هي القضية ، وهي قضية أبدية ، يجب أن نتعلم من هذا الرجل كيف استطاع الدعوة إليها؟
ما حججك وأدلتك أيها الرجل ؟
أولا : ( اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون) ، فلقد كرر الفعل (اتبعوا ) لبيان أهميه الأمر وخطورته، فهم لم يسألوكم مالا مقابل هذه الدعوة ؛ لأنهم يأملون في الثواب والأجر من الله الواسع العليم، ولو سألوكم لكان لكم أن تشكوا في دعوتهم ، بالإضافة إلى كونهم معروفين فيكم من قبل بالهداية ، فلم تسمعوا منهم عيبا ، ولم تروا منهم سوءا.
ثانيا: (ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون)، حجة ثالثة ، تعتمد على ذلك الاستفهام المنفي الذي أفاد التعجب ، وهو يتحدث عن نفسه من باب التعريض ، حتى لا يوجه القول لأحد فيجر حقده أو كرهه ، وهكذا يجب أن يكون الداعية ، كان رسول الله  إذا رأى من أحد سوءا لا يوجه إليه الحديث بل يقول : ما بال أقوام يفعلون كذا....أليس لنا في رسول الله أسوة حسنة؟ فالله تعالى الذي خلقني ورزقني وجعل لي الأرض مهدا وسلك لي فيها سبلا ، وأنزل لي من السماء ماء فأخرج به من الحب والزرع والنخيل والزيتون والأعناب والشجر ...الله الذي جعل كل ذلك مسخرا لي أحق وأولى بالعبادة.
ثم يأتي (الالتفات) من المتكلم (أ عبد ) إلى المخاطب( ترجعون) ؛ يؤكد المعنى السابق ، فهم إن انكروا أن الله هو الذي رزقهم وخلقهم ، فلن ينكروا أنهم سيموتون ، وكأنه يريد أن يلمح بسرعة عابرة دون أن يستوقفهم كلامه إلى خطأ ما يظنونه ، حيث يقولون " أإذا كنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون؟!" . لأنه يدعوهم للقضية الكبرى "الإيمان بالله". فلا مجال للنقاش في قضايا أخرى.
ثالثا : (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنقِذُونِ ) سؤال آخر ، أو قل تعجب وتهكم آخر ، سؤال تلو سؤال ، أأتخذ من دونه أي من أسفل منه (آلهة) فهل يعقل أن أترك الأكبر ، وأتعلق بالأصغر ؟! هل هذا من سداد العقل؟
هؤلاء الأدعياء لا يستطيعون نفع أنفسهم ، بل لا يستطيعون دفع الضرر عن أنفسهم ، فهل من العقل أن نتخذهم لنلجأ إليهم عند الشدائد؟! أرأيت هذه الدفقة المتتالية من الاستفهامات ؟ التي تؤيد أهمية الاستفهام في الخطاب الإقناعي.
ثم يقول " إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون" كان من الممكن أن يقول العبد الصالح" إن يردن بضر" دون ذكر للرحمن ، ولكن نراه يذكر هذا الاسم بالذات تلطيفا للحوار ، فهم رغم كفرهم يرزقون ، وتلك رحمة من الله تعالى ، وتلذذا بذكر من يحب ، فالإنسان إذا أحب شيئا عشق سماع اسمه وتكراره، قال الشاعر:
كرر عليَّ حديثهم ياحادي فحديثهم يجلي الفؤاد الصادي.
وهناك دلالة أخرى حيث في ذكره للرحمن بعد كلمة " بضر " بيان إلى أن قضاء الله دائما يكون خيرا لعباده الصالحين ، قال رسول الله " عجبا لأمرالمؤمن إن أمره كله خير ، إن أصابه خير شكر فكان خيرا له ، وإن أصابه شر صبر فكان خيرا له" وقال الشاعر:

عطيته إذا أعطى ســـــرور وإن أخذ الذي أعطى أثــابا
فأي النعمتين أولى بشــــكر وأحمد عند منقلب إيـــــابا؟
عطيته التي أهدت سرورا أم الأخر ى التي أهدت ثوابا؟
بل الأخرى وإن نزلت بكره أعم لصابر منه احتســــابا.

فهو رحمن وإن ظن العبد أنه نزل به ضرر ، قال تعالى " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"وفيها دلالة أخرى ، وهي أن الله تعالى رحمن ، و متى يعذب الرحمن ؟ إنه الرحمن ، وهل يعذب الرحمن ؟ نعم . ولكن متى يحدث ذلك ؟ إذا غضب . ومتى يغضب ؟ إذا أشرك به العباد ما لم ينزل به سلطانا.ونحن نقول في الأمثال : اتقي شر الحليم إذا غضب.
مع ضرورة العلم بأن الشر لا ينسب لله ، فالله منزه عن الشر، وهذا المثل يطلق على البشر فقط ، وقد ذكرته للتوضيح والتقريب. والله تعالى أعلم
ثم جاءت النتيجة النهائية التي حرص عليها هذا الناصح الأمين من هذه المقدمات المحكمة وهي قوله" إني إذاً لفي ضلال مبين" فمن كانت أمامه هذه الأدلة الواضحة، والبراهين الدامغة ، ثم هو يتركها ويتجه إلى الزور والبهتان ، فهو – بحق – في ضلال مبين.
هكذا يكون الحوار ، وهكذا يكون الإقناع ، فليس الأمر علو صوت ، وانتفاخ أوداج ، واحمرار أعين ، وإن كانت لازمة للإقناع ، وإنما الأمر بلاغة ولغة وتمكن .


هذا العبد الصالح استطاع من خلال هذه المقارنة بين حالهم وحال المؤمنين( متمثلا في شخصه) أن يلفتهم إلى انحرافهم عن الصراط المستقيم ، استطاع بنسبة الحديث إلى نفسه وهو يقصدهم أن يخجلهم ، فإن كان لهم عقول سمعوا واستجابوا ، وإلا فما على الرسول إلا البلاغ . وسيقولون يوم القيامة" لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير "


هذا وبالله التوفيق والسداد..
أيمن خميس أبو مصطفى
شوال(نوفبر) 2006م.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من بلاغة الإقناع في الحوار القرآني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حدائق اللغات والعلوم الإنسانية :: منتديات اللغة العربية و آدابها :: منتدى البلاغــــة والعروض-
انتقل الى: