حدائق اللغات والعلوم الإنسانية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حدائق اللغات والعلوم الإنسانية

منتدى تعليمي أدبي تربوي تثقيفي
 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 واقع تدريس القواعد النحوية في مراحل التعليم العام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مصطفى بن الحاج

مصطفى بن الحاج


عدد الرسائل : 6067
العمر : 60
المنطقة : السوقر ولاية تيارت
المهنة /مكان العمل : أستاذ اللغة العربية و آدابها/ثانوية قاديري خالد
تاريخ التسجيل : 27/04/2008

واقع تدريس القواعد النحوية في مراحل التعليم العام Empty
مُساهمةموضوع: واقع تدريس القواعد النحوية في مراحل التعليم العام   واقع تدريس القواعد النحوية في مراحل التعليم العام I_icon_minitimeالأربعاء 28 سبتمبر 2011 - 16:51

واقع تدريس القواعد النحوية في مراحل التعليم العام

دراسة تقويمية
د. محمد صاري
جامعة عنابة - الجزائر

مقدمة :
يواجه تعليم اللغة العربية في عصرنا مشكلات تربوية حادة لعل من أبرزها تعقيدا وتذبذبا مسألة القواعد النحوية وتدريسها. فهي مادة جوهرية ولها فوائد عملية تدفع المربين وتشجعهم على تثبيتها عند بناء المناهج والمقررات. وعلى الرغم من الجهود التربوية المبذولة لتقريبها من عقل التلميذ فإن النتائج المحصلة –في تدريس هذه المادة- لا تعكس حقيقة ما يخصص لها من زمن وجهد.
و يلاحظ على تلك الجهود أنها لم تستطع الإفلات من قيود التقليد رغم وعيها الظاهر بإشكالية الموضوع. فالقديم لا يفقد سلطانه على العقول والنفوس بسهولة مهما وجه له من نقد.
ومما لا شك فيه أن أسبابا عديدة ساهمت بنسب متفاوتة في خلق أزمة النحو في المجال التربوي، لعل أهمها يكمن في الضعف الذي عليه نسبة كبيرة من المدرسين، والنقص الفادح في تكوينهم العلمي والديداكتيكي، وانعدام العناية بالتدريب أثناء الخدمة، وضعف التأطير، وعقم طرائق التدريس مقارنة بما يجري في تعليم اللغات عند الغربيين، وهو الباعث الذي دفعنا، في هذه الدراسة، إلى تحليل الممارسات الصفية (أو ما يعرف عادة بطرائق التدريس وأساليبه ) وتقويمها في ضوء علم تدريس اللغات.
ولكي لا نقع في ترديد حديث جاء ذكره في أكثر المراجع والكتب، حاولنا تجنب دراسة المشكلة القديمة المتجددة التي يطرحها المربون العرب إلى حد الآن، وتتمثل في اختيار طريقة من الطرائق الثلاث في تدريس مادة النحو:
أ - طريقة النصوص ثم الأمثلة.
ب- طريقة الأمثلة ثم القاعدة.
ج- طريقة القاعدة ثم الأمثلة.
لأن طرح الإشكالية بهذه الكيفية التقليدية حلقة مفرغة لا تؤدي إلى نتيجة، ووجه التقليد في هذا الطرح، كما يرى بعض اللسانيين، أنه :
1- يحصر الاختيار في الطريقتين الاستقرائية والقياسية ويتجاهل الاتجاهات الحالية في تدريس النحو كخيار، وعلى رأس هذه الاتجاهات النحو البنوي ونحو النص.
2- يهمل إهمالا كبيرا مسألة التدريب والتطبيق التي تعد الجوهر في تدريس اللغة عامة والنحو على وجه الخصوص، وهيهات أن ينجح تدريس النحو دون تدريب وتطبيق.
وبناء على هذا، تأتي أهمية الدراسة التي سنحاول من خلالها تحليل العناصر الأساسية الآتية :
• منهجية العرض والخطاب النحوي للمعلم.
• طبيعة الأمثلة المستثمرة في الشرح والتدريب.
• الوسائل المعينة في تدريس القواعد.
• منهجية الترسيخ ونوعية التدريبات.
• استثمار مبادئ التعليمية في تجديد النظرة إلى تدريس النحو.
2 - منهجيـة العـرض والخطاب النحوي للمعلم :
يلاحظ " بلومفيلد " أن الطرائق التعليمية الشديدة التباين في تصميمها النظري، قليلة الاختلاف من الناحية الإجرائية، أي عند التطبيق الفعلي لها داخل القسم( ). وتظهر هذه الحقيقة النسبية بوضوح على مستوى المنهجية المتبعة في تدريس الموضوعات النحوية واستخلاص القواعد في مراحل التعليم العام( ) فرغم الاختلاف الواضح في المناهج والمقررات النحوية المدرسية التي تم إعدادها في كل قطر من الأقطار العربية إلا أن الطريقة التي يستعملها المربون لتبليغ المادة التعليمية تكاد تكون واحدة في جانبها الإجرائي( ). فهي طريقة تعتمد على العرض المباشر لموضوعات النحو، ولا تخرج غالبا عن إطار العادة والروتين.
أما الخطوات الأساسية لهذه الطريقة الشائعة، فإنها لا تخرج عن حالة من الحالات الآتية:
- عرض النص ثم الأسئلة ثم الشرح و المناقشة ثم القاعدة ثم التدريبات( ).
- أو عرض النص ثم التوضيح ثم الخلاصة ثم التدريب.
- أو الأمثلة ثم الشرح ثم القاعدة ثم التدريبات.
- أو اقرأ ثم لاحظ ثم اعرف ثم طَبَّق( )
ومعلوم أن هذه الخطوات، وإن اختلفت تسميتها من كتاب إلى كتاب آخر، فهي من صميم الطريقة الاستقرائية أو الاستنباطية (الكلاسيكية)( ) التي تقوم على عرض النص الذي تُستخرج منه الأمثلة لتُناقش، وتُستنبط منها الأحكام النحوية التي تُجري عليها تطبيقات فورية، ثم تُستخلص القواعد الكلية النهائية. ويتلو ذلك اقتراح تمرينات تطبيقية غالبًا ما تكون نظرية لا علاقة لها بالتعبير بشكليه الشفوي والكتابي.
فحصص النحو عادة تنطلق من نصوص، أو مقتطفات قصيرة تلائم عقول التلاميذ في لفظها ومعناها، ثم تُقرأ في بداية الحصة المقررة قراءة سريعة من الأستاذ ثم من تلميذ أو تلميذين، يُفسَّر أثناءها ما غمُض من ألفاظ، و تُطرح فيها مجموعة من الأسئلة دون أن ينقلب ذلك إلى درس في تفسير النصوص ؛ فهناك سؤال أو اثنان لفهم النص، وآخر لمراجعة ما تقدَّم في الحصة السابقة. و السؤال الأخير يوضع من أجل تهيئة الأذهان حول الدرس الجديد( ).
وفي هذه المرحلة يكلف التلاميذ بالقراءة والملاحظة ثم استخراج الأمثلة، وكتابتها على السبورة مرتبة وفق ما تقتضيه طبيعة الدرس وعناصره. فهذه الأمثلة تتوفر عادة على العناصر النحوية أو الصرفية المستهدفة من الدرس.
وفي مرحلة اعرف تناقش الأمثلة مناقشة متدرجة، تتناول البحث عن أوجه الشبه والاختلاف بين الأمثلة النموذجية، فتُعقد الموازنات الأفقية منها والعمودية، وتستخرج القاعدة جزءًا جزءًا بمساءلة التلاميذ وإشراكهم وتوجيههم في عمليات الاستنباط والاستقراء. ويختم المعلم تحليله، عادة، بتلخيص وجيز لجملة ما استخلصه هو وتلاميذه من أحكام وقواعد( ).
وتظهر في هذه المراحل أهمية الخطاب النحوي للمعلم ونوعيته( )، فمن خلال سعى المدرسين المستمر لتقريب المعلومات النحوية إلى أذهان التلاميذ وتكييفها بلغة سهلة واضحة، يُكثر بعضهم من الشروح والتفاصيل والمصطلحات والشكليات التي لا تُغنى ولا تنفع، فيتحول الخطاب مع ذلك الشرح والتكييف، أحيانا، إلى خطاب غامض ومختلف عن النص المكتوب الذي ورد في مذكرة المعلم أو كتاب التلميذ( ).
وفي مرحلة " طبق "، يُكلَّف التلاميذ عقب كل درس بإنجاز مجموعة من التمارين التطبيقية في القسم بالقدر الذي يسمح به الوقت.
وعلى الرغم من العدد المقبول جدًا من التدريبات المتنوعة التي تُذيّل بها دروس النحو في بعض الكتب الحديثة، إلا أنه من الصعب التوفيق بين ضيق الوقت المخصص للتطبيق، وإجراء كل التمرينات المبرمجة عقب الدرس في الحصة الواحدة.
فالمعلم، غالبا، لا يكفيه الوقت لإجراء ما ينبغي إجراؤه من تدريبات وتطبيقات لتثبيت المعلومات والمكتسبات. لأن الحصة المبرمجة للدرس الواحد لا يتعدى زمنها ساعة واحدة، وجزء كبير منها يمضي في التمهيد والعرض والشرح والاستخلاص.
ولذا، فإن المعلم يعمل على إجراء ما تيسر منها، لأنه غير ملزم بإنجازها كلها( ). ومعلوم أن ما يسمح به الوقت لا يتسع في الحالات القصوى لحل أكثر من تمرين واحد أو اثنين.
إن أهم التقنيات أو الأساليب التي يتدرب عليها التلاميذ، في مثل هذه الخطوات المذكورة سابقا (اقرأ، لاحظ، اعرف، طبق)، لا تخرج عن عمليات التحديد (Identification) أو التصنيف (Classification) أو التنظيم (Systématisation) أو التطبيق (Application) أو التعميم (Généralisation)، هذا ما أثبتته بعض البحوث الميدانية التي تتبعت دروس القواعد عند مجموعة من المدرسين، والرسم البياني الآتي يوضح ذلك( ) :
مجموعة المهارات الأساسية في تدريس مادة النحو عند المعلمين
المـعلمــون تقنيات تدريس
النحو
7 6 5 4 3 2 1
x x x x x x تحــديد
x x x x تصنيـف
x x x تنظيـم
x x تطبيـق
x x تعميـم

من خلال فحص هذا الجدول يمكن أن نستنتج ما يلي:
1- اختلاف المهارات أو التقنيات الموظفة في تدريس النحو من مدرس إلى مدرس آخر، وهو ما يدفعنا إلى القول أن النتائج المحققة في دروس النحو خاصة، واللغة العربية عامة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بكفاءة المعلم وتكوينه وخبرته، وقلما ترتبط بالطريقة التعليمية كمفهوم نظري مجرد( ).
2- غياب الأسلوب العملي الإجرائي في تدريس مادة النحو، علمًا أن أفضل أشكال تعليمها هي التي تتعدى حدود استيعاب المعلومات أو تحديدها أو حفظها، إلى تنمية القدرة على تطبيقها وممارستها في المنطوق والمكتوب.
فهناك فرق بين أن يتدرب التلميذ على أساليب الاستفهام تدريبًا عمليًا عن طريق توجيهه من قبل المعلم إلى طرح نماذج من الأسئلة مثل:
- متى تقلع الطائرة ؟ - ماذا تحتاج لسفرك ؟
- متى تصل الطائرة ؟ - هل ختمت جواز السفر ؟
- كم الساعة الآن ؟ - هل لديك زيادة في الوزن ؟
- إلى أين ستسافر ؟ - كيف تشعر الآن ؟...
وبين أن نشرح له نظريا أسلوب الاستفهام وأدواته ومعنى كل منها، ومجال استخدامها، وإعرابها( )...الخ.
ويبدو أثر التلقين، وقلة جدواه بوضوح عند معاينة الفعل البيداغوجي داخل القسم، فكلما أمْعَنَّا النظر في الخطاب النحوي الذي يُنتجه المدرسون لاحظنا أنه خطاب يركز على المعرفة النظرية للقواعد، ولا يعطي للتدريب بقسميه الشفوي والكتابي ما يستحقه من عناية، كما لا يعطي للتلميذ فرصة كبيرة أو كافية للتدريب والممارسة. فهم المعلم سرد معلومات الدرس، وإنهاء المقرر، ولذلك نجده، عمليًا، هو المتكلم الوحيد.
فهو الذي يقوم بإعداد التلاميذ وتهيئتهم، وهو الذي يقوم بعرض المادة الجديدة عليهم، وهو الذي يناقش ويشرح ويسأل ويطالب بالمقارنة، ويقود التلاميذ إلى اكتشاف القاعدة من الأمثلة والنصوص بطريقة سلبية، دون توفير التقنيات والأساليب اللازمة لامتلاكها والتحكم فيها نطقا وكتابة. مما يؤدي إلى تقليص فرص تعرض المتعلم للتراكيب النحوية في استعمالاتها العفوية (أي الجانب البنوي الإجرائي للغة).
إن اللجوء المستبد من قبل المعلم إلى العرض الصريح، و التعريف النظري بالقواعد النحوية) (، والتهاون في آن واحد بالعمل الترسيخي المنظم المستمر الذي

يجعل المتعلم يدرك بنفسه هيئات التراكيب، وما يحتويه الكلام من المباني والمعاني بدون وساطة التعريفات المجردة( )، لدليل واضح على التأثير السلبي للطريقة التعليمية بالتصورات المشوهة( ) التي مازال كثير من المعلمين والمربين يحملونها عن طبيعة اللغة، بل عن طبيعة القاعدة النحوية والغرض من تدريسها( ).
وخلاصة القول حول واقع الطريقة التعليمية المتبعة في تدريس مادة النحو، أنه لا يوجد أي تطوير، فالاتجاه التقليدي هو المسيطر، فلم نسجل ابتكارات أو تجديدات عملية على مستوى تأدية المعلم جديرة بالإشارة إليها.
وإلى حد الآن لا توجد محاولات حديثة تتبنى تطبيق نتائج البحث اللساني التربوي التي ظهرت بعض آثارها في صياغة الأهداف، وبناء المناهج وتخطيطها( ). هذا، وتشير التحريات الميدانية التي قام بها بعض الباحثين أن ضعف الطريقة وقلة نجاعتها، ونقص كفاءة المعلم، وإهمال الجانب التطبيقي في النحو هي من أهم الأسباب التي أدت إلى فشل تدريس النحو( ).

3- نوعية الأمثلة والنصوص :
ونعني بذلك عينة الأمثلة والنصوص التوضيحية التي ينبغي أن تتوفر على العناصر النحوية والصرفية المستهدفة من درس القواعد، هل هي متنوعة وهادفة وتوجيهية ؟ هل هي قديمة أم معاصرة ؟ وهل هناك تطابق وانسجام بينهما وبين بيئة التلميذ ومستواه اللغوي والعقلي... ؟( ).
إن تعليم اللغة من الوجهة الحديثة، ممارسة واستعمال، إذ يتوقف تقدم التلميذ ونموه فيها على نوعية الأمثلة التي تعرض عليه (كما وكيفًا). فهناك أمثلة حية ونصوص شيقة، يقود الارتياض عليها، لا محالة، إلى تربية الملكة وثرائها. وهناك أمثلة جافة لا تزيد أسلوب التلميذ إلا تحجرًا. وعليه فإن الاهتمام بالنماذج الأصيلة، والأمثلة الحية التي تربط المتعلم بلغة العصر والحياة، والإكثار منها، تساعد المتعلم على تحسين تعبيره، وإثراء رصيده اللغوي، وذلك بالتفاعل معها، والاقتباس من تراكيبها وأساليبها ومضامينها.
ومن يعود إلى كتب النحو المدرسي الحديثة، يلمس تفاوتًا واضحًا في اختيار الأمثلة والنصوص، فهي متنوعة تجمع بين الأمثلة الهادفة، والآيات التوجيهية، والنصوص النثرية والشعرية القديمة والحديثة( )، التي تلائم على العموم بيئة المتعلم، ومستواه اللغوي والعقلي.
هذا من ناحية الوثائق المكتوبة (الكتب المدرسية)، أما على مستوى الممارسة الصفّية (داخل القسم) فإن الواقع يثبت أن هناك فقرًا كبيرًا وعجزًا مهولاً في إنتاج الأمثلة، ومحاكاة النماذج المقدمة في مرحلتي العرض والشرح، لا سيما عند التلاميذ. فالكثرة المطلقة مـن الأمثلـة التي يوظفها المعلمون غرضها الأول والأخير الاستشهاد وخدمة القاعدة وليس خدمة التعبير بشكليه الشفوي والكتابي. فهي أمثلة لا تعين التلميذ على إثراء رصيده اللغوي، وترقية تعبيره. يرددها التلاميذ والمعلمون ترديدًا مملاً في أغلب حصص القواعد، يعوزها جمال التعبير وشرف المعنى، لا تخرج في كثير من الأحيان عن : ضرب موسى عيسى، وزيد في الدار، و في الدار زيد، و قتل الرجُل الولد، و أكل الولد التفاحة، وشرح المعلم الدرس...
فهذه أمثلة تقليدية جافة، و غير توجيهية، تفتقر إلى التنوع في المضمون الثقافي و الحضاري، اُختيرت في عصر يختلف عن عصرنا و لأهداف تخالف أهدافنا( ) و عليه فمن الإساءة إلى النحو، و إلى اللغة العربية أن يظل الدارسون ؛ معلمون ومتعلمون متمسكين بتلك النماذج المصطنعة الجوفاء، و معتمدين عليها في التعليم.
ويجتهد بعض المدرسين في تنويع الأمثلة وإثرائها، فيحاولون التحرر من قيود النماذج التي تضمنتها الكتب المقررة، ولكن كثيرًا ما يجد معلم اللغة العربية نفسه، ودون ما شعور منه، أسير الأمثلة التقليدية الموروثة، فلا يستطيع التخلص منها، والخروج عنها، وحتى إن اجتهد و حاول ذلك أتى بعضهم بأمثلة غير مستقيمة( )، و هذا دليل واضح على قلة الزاد اللغوي و المعرفي و الثقافي لبعض المعلمين.
4- الوسائل المعينة المستخدمة في تعليمية النحو :
تعد الوسائل التعليمية جزءاً لا يتجزأ من المناهج الدراسية، فهي كما تؤكد البحوث والتجارب وسائط تربوية وأدوات توضيحية مفيدة جدًا، و بخاصة إذا أحسن المربون اختيارها وتوظيفها( ).
فبالإضافة إلى مساهمتها الإيجابية في تثبيت المعلومات، وتسهيل عملية استرجاعها، فهي توضح المفاهيم، و تشخص الحقائق، و توفر الجهد، فتجعل المفاهيم المجردة لدى الدارسين محسوسة، و المعقدة بسيطة، و الغامضة قريبة... و لذا يرى بعض اللسانيين أن أحسن الطرق التربوية لتحصيل النحو النظري، و تفادي النص المسهب الذي يصعب حفظه، هي التي تقدم معلوماته و قوانينه على شكل رسوم بيانية بسيطة، يشار فيها إلى العلاقات و العمليات بالرموز( ) والجداول والسهام والأقواس والمشجرات( ) و الألوان. فما هي منزله الوسائل التربوية المعينة في دروس القواعد ؟
من بين الصعوبات الكبيرة التي يواجهها معلم اللغة العربية في تدريسه لمادة النحو، هو عدم توفر الكتاب المدرسي الجيد( )، في محيط يزخر بالوسائل والمعينات المختلفة. فالواقع يثبت أن كتب النحو ومقرراته تعاني من فقر كبير في الوسائط التربوية مقارنة مع كتب النحو في اللغات الأجنبية التي تظهر في صورة عصرية وجذابة( ).
فالشكل التقليدي المنفر لكتب النحو المدرسية أفقدها كثيرًا من الجاذبية والتشويق لدى الدارسين، معلمين و متعلمين. فصورة الكتاب، عمومًا، لا تفتح شهية التلميذ ولا تُغريه للاطلاع عليه، و الاستزادة من معلوماته، ولا يستطيع المتعلم استغلاله و الاطلاع عليه و مراجعته بمفرده. فهو كتاب رديء من حيث الإخراج والطباعة. علما أن شكل الكتاب له دور كبير في الفهم، و في جذب الدارسين إليه، أو انصرافهم عنه.
و على العموم فإن التحريات الميدانية التي قام بها بعض الباحثين حول كتب النحو المدرسي في الوطن العربي أثبتت أن هناك ضحالة و فقرًا واضحًا في الرسوم والجداول و الصور و الألوان( )، والجدول الآتي يوضح ذلك :
الوسائل المعينة في كتب القواعد النحوية في بعض الأقطار العربية
في مراحل التعليم العام
نوعية الوسائل المعينة في الكتب الكتاب المرحلة الأقطار العربية
صور غير ملونة في النص،وبعض الصور في التدريبات
لا وسائل معينة في كتبها
لا وسائل معينة في كتبها 5
_
_ ابتدائي
إعدادي
ثانوي الأردن
لا وسيلة معينة
صور غير ملونة في بداية كل درس، والأمثلة لونت بالأحمر، وبعض المفردات في القاعدة وبعض الكلمات في التمرينات لونت كذلك بالأحمر.
لا وسائل معينة. _
1

2

3 – 4 ابتدائي
ثانوي تونس
لا وسائل معينة.
لا وسائل معينة. _
_ متوسطة
ثانوي الجزائر
صور غير ملونة في النص، وبعض الصور في التدريبات بعض الجدول
لا وسائل معينة
لا وسائل معينة 5
6
_
_ ابتدائي

إعدادي
ثانوي سورية
لا وسائل معينة _ إعدادي العراق
صور غير ملونة
لا وسائل معينة
لا وسائل معينة _
_
_ ابتدائي
إعدادي
ثانوي مصر
لا وسائل معينة _ ثانوي المغرب
يتضح من خلال الجدول السابق أن الوسائط التربوية المعينة في كتب النحو المدرسي المقررة بمراحل التعليم العام تتمثل في :
1- الخطوط الحمراء التي وظفتها بعض الكتب لتمييز الشاهد أو العناصر النحوية والصرفية المستهدفة من الدرس، أو لتأطير القاعدة( ).
2- الصور غير الملونة التي تلازم نص الانطلاق في بعض الكتب أو التمارين اللغوية. وللإشارة فإن بعض هذه الصور مبهمة و غامضة لا معنى لها، و ليس لها أية فائدة تربوية في الدرس( ).
ومن الحقائق التي ينبغي الإشارة إليها ونحن بصدد الحديث عن منزلة الوسائط التربوية من دروس النحو، أن شكل تلك الدروس في بعض الكتب الحديثة جدًا لم يعرف تجديدًا ملحوظًا منذ عقود، نستنتج ذلك من خلال موازنة سريعة لموضوع واحد هو " باب المفرد والمثنى والجمع " في مقررين نحويين مختلفين، الأول قديم، والآخر معاصر، هما :
- كتاب الصرف العربي لتلاميذ السنوات الأولى والثانية والثالثة من التعليم الثانوي( )، (طبع سنة 1967).
- كتاب قواعد اللغة العربية للسنة السابعة أساسي ( نشر سنة 1999-2000)( ).
وليس غرضنا إجراء دراسة تقابلية بين الدرسين من حيث المستوى والمحتوى( )، ولكن أردنا، فقط، التنبيه إلى نقطة جِدّ مهمة تتمثل في الملاحظة التالية: أن الدرس المقتبس من الكتاب المقرر في الستينيات لا يختلف في شكله اختلافًا جوهريًا عن الدرس الذي ورد في المقرر الحديث، فلا نلاحظ أي تجديد أو تطوير على مستوى وسائل الإيضاح التربوية. فلا وجود للألوان التي تميز القاعدة الجزئية أو الكلية، أو العناصر النحوية والصرفية المستهدفة من الدرس، ولا وجود للأسهم والأقواس المساعدة على تبيين العلاقات، ولا وجود للصور و الجداول و المشجرات التي تقرب موضوعات النحو وتلخصها. وباختصار لا وجود للوسائل المعينة التي ترسخ المفاهيم وتثير التشويق.
و المتصفح لهذين الموضوعين المتشابهين يتعذر عليه التمييز بسهولة بين الوثيقة القديمة و الوثيقة الجديدة، لا سيما إذا نظرنا إلى الخطة العامة المقترحة في كل درس (إقرأ - لاحظ - اعرف - طبق). و بناء على ذلك يمكن القول : " لا يستطيع باحث موضوعي أن يجد تقاربًا بين مستوى الكثير من كتب تعليم العربية، و مستوى كتب تعليم اللغة الفرنسية أو الألمانية أو الإسبانية على سبيل المثال. سواء من حيث المواقف التي تدور حولها الدروس أو نوع المادة المقدمة، أو طريقة عرض هذه المادة، أو حتى شكل الكتاب وإخراجه"( ).
و للإشارة فإن النقص الواضح في استخدام الوسائل المعينة في تدريس مادة القواعد لا يلاحظ على مستوى الكتاب المدرسي فحسب. بل إننا نلمس، أيضًا وبوضوح، فقرًا في التقنيات والوسائل على مستوى الفعل البيداغوجي داخل القسم( ). فمعلم اللغة العربية لا يملك في تدريس مادة النحو سوى الكتاب المدرسي والسبورة، ولذا فإن الضرورة تحتم عليه، باعتباره أكثر العناصر أهمية في الوسط التربوي، البحث عن الوسائل التي تساهم في تسهيل تعليم مادته، وبلوغ أقصى عدد ممكن من أهدافه. لأن وظيفة المعلم لا تتوقف عند حدود نقل المعلومات وتوصيل المعارف، بل الأهم من ذلك تمكين التلميذ من اكتشافها والقدرة على تنظيمها والتحكم فيها.
ولكي يجعل معلم اللغة العربية العناصر النحوية تترسخ لمدة أطول ينبغي عليه أن يجتهد لتوفير مزيدًا من الوسائل و التقنيات. فما يمنع مدرس القواعد من إعداد بعض الرسومات و الجداول البسيطة التي تلخص القاعدة أو القواعد الأساسية المستهدفة من الدرس، و توضح الترابط بين العناصر أو الموضوعات، كأن يختم مثلا درس " الجملة " برسم ملون كالآتي( ) :

الجملـة

اسميـة فعليـة

تبـدأ بـاسم تبـدأ بفعـل

محمد ناجح سعاد مسافرة نجح خالد سافرت سعاد
وبعد أن يدرك التلاميذ هذه القاعدة في صورتها السطحية جدًا يُقدم لهم النوعين (الجملة الاسمية والفعلية) على شكل جدول استبدالي كما يلي :

العاقل
الذكي يجتهد
المـجدّ التلميذ ينجح
المتفـوق الرجل يسافر

....... الولد ......
الأستاذ
.......


العاقل
الذكي التلميذ
يجتهد المـجدّ الرجل
ينجح المتفـوق الولد

يسافر ....... الأستاذ
........ .......
........

وللإشارة، فإن الجداول التحويلية والتفريعية، التي تقوم على العمليات الحملية (حمل الشيء على نظيره) بين الجمل الأصول (النواة) والجمل المتفرعة عنها، هي كل شيء في تدريس مادة القواعد النحوية.
إن هناك علاقة وطيدة ببن نجاح المعلم في مادة معينة ومستوى اهتمامه بها. وما يلاحظ على الأغلبية المطلقة من مدرسي اللغة العربية حاليًا أنهم أبعد من أن يكونوا مستعدين لأداء هذا الدور( ) المتمثل في التجديد المستمر في دروسهم شكلا ومضمونا. فالضعف اللغوي الذي هو عليه نسبة كبيرة منهم، و النقص الفادح في تكوينهم العلمي و البيداغوجي، وانعدام العناية بالتدريب المستمر أثناء الخدمة (الدورات التحسينية ) وضعف التأطير و التوجيه...كلها مُعوَّقات تمنعه من الإبداع والتجديد المستمر.

5- التمرينات ومنهجية الترسيخ( ) :
التمارين اللغوية نشاط تربوي أساسي لا يمكن الاستغناء عنها في أي طريقة تعليمية، مهما كانت منطلقاتها واختياراتها اللسانية والمنهجية( ). فهي الطريق الطبيعي والمختصر لتكوين الآليات أو المهارات الصحيحة، وأداة مفيدة جدًا لقياس مردود التعليم ونتائجه. كما أنها وسيلة للكشف عن نواحي القوة والضعف عند المتعلمين. فهي باختصار المحرك الأساسي في تعليم اللغة واكتسابها( )، لأنها تمثل الجانب العملي الإجرائي الذي يُعد أهم خطوة في تنفيذ الدرس( ).
إن اطلاعنا على حصيلة التمارين التي تضمنتها كتب النحو المقررة في مراحل التعليم العام أثبتت لنا شيوع أنواع كثيرة أهمها : التعيين والتبيين، والتمييز، والتحديد، والاستخراج، والتحويل، والإعراب، والتشكيل، والتكوين، والتركيب، والتكملة والتتمة، والترتيب، و التصحيح، والتعليل والتلخيص( ). فمثلا في كتاب السنة السابعة أساسي نلاحظ أن تمارين القواعد تشيع بحسب الترتيب الآتي( ) :

تعيين - تبيين - تحديد - تمييز- استخراج

تحويـــل
إعـراب + تشكيـل
تكويـن + تركيب
تكملـة و تتمـة
تـرتيب
تصحيـح
تعليـل
تلخيص

ويختلف هذا الترتيب اختلافًا طفيفًا في كتاب السنة الثامنة أساسي إذ نلاحظ أن شيوع التمارين جاءت على الشكل التالي( ) :
تعيين - تبيين - تحديد - تمييز- استخراج
إعـراب + تشكيـل
تحويـــل
تعلـيل
تكويـن + تركيب
تكملــة
تصحيـح
تلخيـص
ترتيب

والجدير بالملاحظة حول هذه التمارين التي احتوتها كتب النحو المدرسي( ) هو اشتمالها على نماذج جديدة لم تكن موجودة في المقررات القديمة( ). وتظهر هذه التمرينات بوضوح على مستوى مرحلة " عبَّر "، وهي خطوة إجرائية في درس القواعد( )، تتضمَّن مجموعة من التمارين الحديثة( ) التي تهدف كما، يزعم المؤلفون( )، إلى تحقيق أهم أهداف تدريس النحو، وهو خدمة التعبير بشكليه المنطوق والمكتوب( ). وتتمثل هذه المجموعة في النماذج الآتية :
5 – 1 - تمرين صحح الخطأ :
في هذا النوع من التدريبات، يتعمَّد مؤلف الكتاب ارتكاب أخطاء نحوية أو صرفية أو إملائية، ثم يُطلب من التلميذ اكتشافها وتصحيحها مثال( )،
« صحح الجمل التالية بوضع المفعول به في موضعه اللائق به » :
1- تريد أيَّ كأس ؟
2- أصابَ جرَب شديد الأسدَ.
3- خَيَّرْتُ نفسي الأمور الأربعة التي يطلب الناس إيَّاها.



5 – 2 - تمرين البحث في المنجد :
الهدف من هذا النوع من التمرينات تهيئة التلاميذ لاستعمال المعجم، وتعويدهم على ذلك. كأن يُطلب من المتعلم أن يستعين بالمعجم ويبحث عن صيغ معينة أو كلمات، مثل :
استعن بالمعجم في البحث عن مضارع الأفعال التالية : (جَمَدَ، سَرَقَ، طَرِبَ، شَهِدَ، لَمَعَ)، ومن ذلك أيضا، البحث في المنجد عن مصادر الأفعال التالية (هَجَرَ، فَاتَ، سَرِعَ، سَاقَ، نَزَل)( ).

5 – 3 - تمرين التلخيص :
يندرج هذا النوع ضمن تمارين " تحضير شرح النص " أو " تحليل النص والتعليق عليه "، ويأتي دائمًا في نهاية التدريبات التي تذيَّل بها الدروس، إذ يكلف المتعلم بتلخيص نص الانطلاق (نص، حوار، قصة) في جمل محدودة ( ).
5 – 4 - تخيـَّل :
في هذا النوع من التمارين الإنتاجية يُطلب من المتعلم أن يتصور أقصى عدد ممكن من الأسئلة والأجوبة التي يمكن أن تجري في مقام معيَّن، ومن ذلك مثلا :
• « ذهبت إلى حانوت لتشتري أدوات مدرسية، أو موادَّ منزلية، تخيَّلْ الأسئلة والأجوبة المناسبة لها ».
• تخيَّل سؤالاً وجوابًا للأشخاص الموجودين بين قوسين : (الابن – الأب) (الأم – ابنتها)، (التاجر – المشتري)، (القاضي – المتهم) (المعلم – التلميذ)، مثل:
- الأب : أين كنت ؟
- الابن : كنت عند جدَّتي( ).

هذا النموذج الوظيفي التواصلي مفيد جدًا في تمرّس المتعلمين على الجانب المنطوق من اللغة، ولكننا لم نجد له أثرًا يذكر إلا في الدرس الأول من كتاب قواعد اللغة العربية للسنة السابعة أساسي( )، ولا يُعلم سبب اختفائه وحذفه بعد ذلك.
5 – 5 - النقـد :
لا يستطيع أحد أن ينكر التحسينات التي أُدخلت على مستوى التدريبات في كتابي قواعد اللغة العربية للسنة السابعة و الثامنة على الخصوص إذ نلاحظ، من حيث الكم، زيادة معتبرة في عدد التمارين التي ذُيّلت بها دروس النحو، حيث تجاوزت عشرة نماذج في كل درس، في حين بقيت على حالها في مقررات أخرى( ). أما من حيت الكيف، فهنالك تنويع( ) في التمرينات على مستوى الدرس الواحد، وكذلك على مستوى عدد الدروس التي تكوَّن المنهاج. فلا نكاد نعثر على النماذج نفسها في كل الدروس، بل هناك تغيير ملحوظ في الشكل و المضمون، من درس لآخر. ونشير من ناحية أخرى إلى أن نتائج التحسينات المذكورة سابقًا محدودة جدًا مقارنة مع النقائص و العيوب التي مازالت تميز مناهج النحو عامة، و التدريبات اللغوية خاصة، إذ يلاحظ عليها :
أ - تعقيد و غموض، أحيانا، على مستوى الأسئلة و التعليمات( ).
ب- إهمال لمقياس التدرج في ترتيبها، فالتمرينات في المقررات تبدأ عادة بالشكل التحليلي، و يشمل كل تدريب منها على عمليات و صعوبات متعددة.
ج- اهتمام مفرط بالأنواع التحليلية التركيبية. فقد أثبتت لنا عمليات الإحصاء أن تمارين التعيين و التحديد و التمييز و التعليل و الإعراب، تحتل الصدارة في بعض المقررات المدرسية( )، و الجدول الآتي يوضح ذلك :

شكـل تكمـلة إعـراب تكـوين تحويـل تعليـل تعيين /تمييز تبيين نوع التمرين
2 8 13 18 23 29 34 عدد التمارين
%1,57 %6,29 %10,23 %14,17 %18,11 %22,83 %26,77 النسبة المئوية

يتضح لنا من خلا الجدول، غياب الأنواع الجديدة من التمارين كالتمارين البنوية (Les exercices structuraux) والتمارين التواصلية(Les exercices communicatives).
وتمارين الألعاب اللغوية Les exercices de jeux))( )... ويعني هذا أن الطابع التقليدي ما زال قائماً على مستوى الإعداد و التخطيط. ويظهر بوضوح على مستوى التنفيذ، أي على مستوى تأدية المعلم لتلك التمرينات داخل القسم. فقد لوحظ فقر كبير لدى المدرسين من حيت الأساليب و الإجراءات والتقنيات الحديثة التي أُدخلت منذ عهد قريب على التمارين اللغوية بشكل عام. فعلى الرغم من اشتمال بعض الكتب المدرسية على مجموعة مفيدة جدًا من التمارين التقليدية كالتحويل مثلا، إلا أننا لم نسجل ابتكارات جديدة على مستوى إجراء المدرس لها. فَفُرَصُ التمرُّس التي تُتاح للمتعلم قليلة، والكم الذي يقدم له كذلك ضَئيل جدًا، و حتى هذا الكم الضئيل، هدفه اختبار المعرفة النظرية لدى المتعلمين، و لذلك لاحظنا اهتماما مفرطًا داخل القسم، ببعض الأنواع على حساب أنواع أخرى أهم. فالتمارين المعروضة في الصف، جلها كتابي تحليلي، يُجرَى بطريقة فردية، الاهتمام فيها قائم على تحديد العناصر وتمييزها و ليس على تنمية مهارة التبليغ، و لذلك كانت نتائجها العملية ضعيفة المستوى، قليلة الغنى، لا سيما في الجانب الوظيفي الاستعمالي للغة العربية.
إن الخطأ الذي تقع فيه معظم البرامج المدرسية، بما فيها طريقة المعلم، هو الإصرار على حشوها بالدروس النظرية التي تنتهي بالمتعلم إلى معرفة قواعد النحو دون اكتساب اللغة، ثم نسيان الطابع التطبيقي الذي يضمن للطفل اكتسابا ناجعا للغة المنشأ في محيطها الاجتماعي( ).
وبصورة عامة يوجد تقصير و تهاون بالعمل الترسيخي المنظم المستمر، علمًا أن المرحلة الترسيخية هي من أهم المراحل وأخطرها في عملية الاكتساب والتعلم. وقد أشار " ابن خلدون " إلى نتائج هذا التقصير على الملكة اللسانية. فقال، مقارنًا، بين ثلاثة أنواع من تعليم الملكة اللسانية؛ تعليم المشارقة وتعليم المغاربة وتعليم الأندلسيين: «... وأما المخالطون لكتب المتأخرين، العارية من ذلك [ أي شواهد العرب و أمثالها]. إلا من القوانين النحوية، مجردة عن أشعار العرب و كلاهم، فقلَّما يشعرون لذلك بأمر هذه الملكة أو ينتبهون بشأنها، فتجدهم يحسبون أنهم حَصلوا على رُتبة في لسان العرب، وهم أبعد الناس عنه، وأهل صناعة العربية بالأندلس ومعلموها أقرب إلى تحصيل هذه الملكة و تعليمها ممن سواهم، لقيامهم فيها على شواهد العرب و أمثالهم. والتفقه في كثير من التراكيب في مجالس تعليمهم (...) و أما من سواهم من أهل المغرب وإفريقية و غيرهم، فأجروا صناعة العربية مجرى العلوم بحثا، و قطعوا النظر عن التفقه في تراكيب كلام العرب، إلا إن أعربوا شاهدًا أو رجحوا (معنى) من جهة الاقتضاء الذهني لا من جهة محامل اللسان و تركيبه. فأصبحت صناعة العربية (عندهم) كأنها من جملة قوانين المنطق العقلية و الجدل، وبَعُدَت عن مناحي اللسان و ملكته (...) وما ذلك إلا لعدولهم عن البحث في شواهد اللسان وتراكيبه، و تمييز أساليبه، وغفلتهم عن المران في ذلك للمتعلم، فهو أحسن ما تفيده الملكة في اللسان »( ).
لأن المران يُولَّد القياس وينميه ويثبته عند المتعلم. ومعلوم أن اللغة كلها قياس، ولا يمكن تصور لغة بدون قياس. فالولد الصغير يتعلم اللغة بالسماع والمحاكاة، ويستنبط القواعد بمقارنة الأمثلة بعضها ببعض. والعربي الفصيح الذي لا يعرف القراءة والكتابة ولا مدرسة يُجيد لُغته لأنه يقيس ويقارن، وبذلك يرفع الفاعل وينصب المفعول، ويؤنث المؤنث، ويذكر المذكر، ولولا القياس لما تعلم أحد منا لغته الأصلية التي يستعملها يوميًا. وما نسميه سجية هو في الحقيقة قياس عفوي لا نشعر به.
ونظرًا لأهمية المران المنظم في تثبيت مثل النحو وأنماطه وتنمية القياس فإن اللسانيين يذهبون إلى أن قسطه من الدرس يجب أن يكون أوفر بكثير من حصتي العرض والإيصال( )، كما في الرسم الآتي :

ماهو كائن ما ينبغي أن يكون











الحصة المخصصة للعرض والشرح (حصة المعلم)
الحصة المخصصة للتمرين (حصة المتعلم)

يمكن القول، انطلاقًا من هذا المخطط، إن هناك فرقًا شاسعًا بين طريقة تختم درس القواعد ببعض التمارين، وطريقة ثانية تؤسس درس القواعد (من أوله إلى نهايته) على التمارين( ).

6 - خلاصــة :
إن أهم ما نستخلصه من خلال تحليلنا للمنهجية المتبعة في تدريس مادة النحو، وواقع تأدية المعلم لها داخل القسم، هو الفجوة الكبيرة بين الأهداف السلوكية المنشودة والمتمثلة في خدمة التعبير بشكليه الشفوي و الكتابي( )، و النتائج المحققة على أرض الواقع التي تشير إلى عكس ذلك. فالواقع يثبت أن الطريقة المتبعة في تدريس مادة القواعد لا تخرج عن العرض المباشر، و الدليل على ذلك الخطاب النحوي للمدرسين داخل القسم، الذي يظهر من خلاله التركيز على الجانب المعرفي النظري، و التهاون بالجانب المهاري الوظيفي، علمًا أن أفضل أشكال تعليم النحو هي تلك التي تتعدى حدود الحفظ و الاستيعاب للمعلومات، و القدرة على تحليلها وتفكيكها إلى تنمية القدرة على توظيفها و ممارستها في الخطاب و التبليغ، و هيهات أن تنجح دراسة النحو دون تدريب و تطبيق.

إن اللجوء المستبد من قبل المعلم إلى العرض الصريح، و التعريف النظري بالقواعد النحوية، و التهاون في آن واحد بالعمل الترسيخي المنظم المستمر الذي يجعل التلميذ يدرك بنفسه هيئات التركيب (مواقع المرفوعات و المنصوبات والمجرورات والمجزومات...)، وما يحتويه الكلام من المباني و المعاني بدون وساطة التعريفات المجردة لدليل واضح على التأثر السلبي للطريقة التعليمية بالتصورات المشوهة التي مازال كثير من المربين و المدرسين يحملونها عن طبيعة النحو و الغرض من تدريسه، علمًا أن وضوح هذا الهدف له أهمية كبيرة في جعل تعليم النحو أكثر فائدة و أقل عناء بالنسبة للمعلمين و المتعلمين.

وباختصار، فإننا لم نلاحظ تغييرات جذرية على مستوى منهجية العرض، وإجراء التدريبات، واختيار الأمثلة، وتوظيف الوسائل والمعينات، وشروح المعلم... والتغييرات التي حدثت على مستوى تلك العناصر، سطحية جدًا، مست الجانب الشكلي ولم تصل إلى الجوهر
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
واقع تدريس القواعد النحوية في مراحل التعليم العام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حدائق اللغات والعلوم الإنسانية :: أوليات :: منتدى الأســــاتــــذة-
انتقل الى: