حدائق اللغات والعلوم الإنسانية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حدائق اللغات والعلوم الإنسانية

منتدى تعليمي أدبي تربوي تثقيفي
 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 مفهـوم الأدب والفـن لدى توفيـق الحكيم..........

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مصطفى بن الحاج

مصطفى بن الحاج


عدد الرسائل : 6067
العمر : 60
المنطقة : السوقر ولاية تيارت
المهنة /مكان العمل : أستاذ اللغة العربية و آدابها/ثانوية قاديري خالد
تاريخ التسجيل : 27/04/2008

مفهـوم الأدب والفـن لدى توفيـق الحكيم.......... Empty
مُساهمةموضوع: مفهـوم الأدب والفـن لدى توفيـق الحكيم..........   مفهـوم الأدب والفـن لدى توفيـق الحكيم.......... I_icon_minitimeالجمعة 13 مارس 2009 - 20:32

مفهـوم الأدب والفـن لدى توفيـق الحكيم.......... 15

مفهـوم الأدب والفـن لدى توفيـق الحكيم.......... 2


مفهـوم الأدب والفـن لدى توفيـق الحكيم
الجزء الأول

(بعض المنطلقات النظرية)

مدخـــل:
لطالما أشار توفيق الحكيم إلى علاقته الحوارية مع الثقافة الغربية والعربية على السواء. لكن ما يثير انتباهنا هو تأكيده على تحصيله «لتاريخ النشاط الذهني وانغماسه في آداب الأمم كلها وفلسفاتها وفنونها وعلومها» [1]. وذلك لتحقيق هدف واحد وهو أن يكون «أديبا موسوعيا». بعبارة أخرى، إن الموسوعية هي في اعتقاده «الصفة التي يجب أن تقترن بالأديب في العصر الحاضر». وقد شيد لها هو نفسه فضاءها الخاص، أي «البرج العاجي» ليبتعد عن هستيريا السياسة، وليعانق ومضات الفكر وإشراقاته لأن البرج العاجي هو السمو عن المطامح المادية والمآرب الشخصية» [2]. لكن العصر الحديث «لا تمتنع عليه الأبراج والأوكار. لهذا، لا يوجد اليوم كاتب لا يغمس قلمه في وحل البشر» [3].
تلك هي قناعة توفيق الحكيم؛ وهي التي جعلته يتخذ من الفن والأدب محور كتاباته عن نفسه وعن الحياة العامة؛ وكذا عن الوجود الإنساني بكل مظاهره الاجتماعية وأبعاده الفلسفية والإنسانية. وإذا كانت هذه الكتابات تتوزعها أجناس مثل المسرح، والقصة، والرواية، والسيرة الذاتية (حياتي) واليوميات (يوميات نائب في الأرياف) والمقالة، والفنون البصرية، فإن أغلبها كان حصيلة ما استوعبه من قراءات في «الشاطئ الآخر» (أي باريس)، ثم حوله إلى عناصر تنساب في كيانه الواعي وغير الواعي» [4].
لكن، هل تقف ثقافة الحكيم عند حدود «تجربته الباريسية؟ لا يمكن أن نعتقد ذلك لأن هذه التجربة لابد وأن تتقاطع مع خصوصيات ثقافية أخرى استمدّ أصولها من دراسته للقانون ومن اطلاعه على الحضارة الفرعونية والإغريقية والعربية، إضافة إلى تجربته الحياتية التي كشفت له عن غوامض الكون وأسراره إلى درجة أن معنى «الثقافة» تحول لديه إلى «إلمام شامل بكل فروع المعرفة» [5]، أي إلى ثقافة كاملة «لا تتموضع في جانب العقل ولا في مجرد المعرفة، وإنما في الإحساس والتذوق والتغذي بمختلف الفنون» [6].
I - عـن الفـن والأدب (الفـن التعادلي نموذجـا):
مـن المـؤكد أن انحياز توفيـق الحكيم إلى الموسوعية أو إلى الثقافة الكاملة والتغـذي بمختلف الفنون هو الذي دفعه إلى الاهتمام بالفن وطبيعته وعلاقته بالحياة. لذا، نجده يقدم تصورات عديدة عنه انطلاقا من قناعات فكرية تجعلنا نعتقد أنه أراد أن يبتدع لنفسه نظرية تضفي بدايتها على الفن «قيمة عالية» ترسخ هدفه في المتعة الجمالية، كما تجرده من كل هدف نفعي أخلاقي. في هذا الصدد، يقول في كتابه: «تحت شمس الفكر»: «إن الفنان هو المقلد الأصغر للمبدع الأكبر لأنه يدرك أن الفن لا يعيش بالغاية التي هي فانية كاسمها، وإنما يعيش بالأسلوب» [7]. إن كلمة الفن هي العليا دائما، لأنه حرية الفكر والشعور لا منبع له إلا فكر الفنان وقلبه» [8].إن هذا التحديد يكشف لنا عن سر الإبداع الفني الذي يجب أن يقوم، في نظر توفيق الحكيم، على «الفردية»، لأنها أساس كل فن [9]. وبالتالي، فإذا كانت الفردية توازي عنده «الذاتية» لا «الأنانية»، فإن «الوعي» الفردي هو روح الفن» [10]. وهذا يعني أن «الأديب الحقيقي - باعتباره فنانا - هو الذي يمتلك قدرة تجعل من مجرد كلامه، المرسل إرسالا، أشياء عالية القيمة لأن روحه وحدها (أي ذاتيته) هي كل الفن والأدب، ولأن سر قوته تكمن في سجيته الفنية وفطرته الخصبة» [11].
إن هذا التركيز على ذاتية الفنان / الأديب ووعيه الفردي هو توجه رومانسي ينظر إلى الإبداع الفني باعتباره خلقا ذاتي البؤرة يقوم على الحرية وهيمنة الخيال والإحساس على العقل. لهذا نجد توفيق الحكيم يقترح علينا في مصنفاته تعريفات وطروحات عديدة عن الفن ووظيفته، مع الحرص على دعم اختيار شخصي يتجلى في فنه التعادلي الذي اعتمده قاعدة أساسية يتحرك وفق أبعادها في ممارسته الفنية والحياتية.
- الفـن التعادلـــي:
يقول توفيق الحكيم: «التعادلية مذهبي في الفن والحياة». والمقصود بهذا المصطلح (أي التعادلية) كل حركة مقابلة ومناهضة لحركة أخرى لا التعادل بالمعنى الاصطلاحي اللغوي الذي يعني «التساوي»، ولا «التعادل» الذي يفيد التوسّط في الأمور. بعبارة أخرى، إن التعادلية هي التوازن بين قطبين، حيث إن الحياة السوية لا تتم إلا بهذا التوازن، ولا تختل إلا باختلاله.
على أساس هذا المذهب، بيّن توفيق الحكيم مواقفه من الإنسان والمجتمع والعصر الحاضر الذي يسوده القلق والشك نتيجة اختلال في التوازن بين قوى العلم (الذي هو وليد العقل) وبين قوة الإيمان (الذي هو وليد القلب). وعليه، فإذا كانت التعادلية تفترض توازنا بين قوتين [الإنسان كائن متعادل ماديا وروحيا]، فإن الحياة الروحية هي «تعادل بين الفكر والشعور» [12]؛ وبالتالي، فإن ما يهم الفن والأدب هي الناحية الروحية في الإنسان»، أي أن وظيفتها هي «إلقاء الضوء على موقفه الفكري والشعوري تجاه هذا العالم الذي وُجدَ فيه: عالم الزمان والمكان والماضي والحاضر والمستقبل والبيئة والمجتمع، الخ...» [13].
مراعاة لهذه الوظيفة (أي إلقاء الضوء على موقف الإنسان الفكري والشعوري)، يرى توفيق الحكيم أن التعادلية «تقيم الأدب والفن على أساس قوتين يجب أن يتعادلا هما قوة التعبير وقوة التفسير، لأن الأثر الأدبي أو الفني لا يكتمل خلقه ولا ينهض بمهمته إلا إذا تمَّ فيه التوازن بين القوة المعبرة والقوة المفسِّرة» [14]. لكن، ماذا يعني مصطلحا «التعبير» و«التفسير»؟ وأي مفهوم أدبي يمكن أن نستخلص منهما؟
يقول الحكيم: «إن التعبير هو الشكل والموضوع معا» [15]. بعبارة أخرى، إنه يشمل الأسلوب والموضوع، أي الشكل والمضمون... أما التفسير، فهو الضوء الذي يسلط على وضعية الإنسان والمجتمع، أي «الرسالة» التي ينطوي عليها الأثر الأدبي والفني» [16].
هذا عن المصطلحين. أما في باب الاشتغال عليهما، فإن توفيق الحكيم يرى أن على الأديب أو الفنان أن لا يقتصر على التعبير وحده مهما كانت قيمة الشكل عالية، لأنه قد يعبر عن الحياة دون تفسيرها. وطالما انحصر عمله في هذا الجانب (أي التعبير وحده)، فإن مهمته لن تتعدى حدود التهذيب الروحي والإمتاع النفسي، كما أن فعله هذا سيؤدي إلى «الفن للفن»، أي إلى حبسه في هيكل الشكل. وكذلك الأمر بالتفسير، حيث الاقتصار عليه وحـده يـؤدي إلـى «الفـن الملتـزم»، أي حبـس الفنـان فـي سجـن
المضمون [17].
نستخلص من هذا التحديد للفن التعادلي أن صناعة النتاج الفني أو الأدبي يقتضي توازنا بين التعبير والتفسير. لكن وجوده الحقيقي يرتبط أولا وقبل كل شيء بالتعبير باعتباره موهبة وأسلوبا. وهذا يعني لدى الحكيم أن كل أثر أدبي بإمكانه أن لا ينطوي على تفسير (أو رسالة) لأن هذه الأخيرة قد تكمن أحيانا في روعة تعبيره أو أسلوبه» [18].
ربما يقودنا هذا الرأي إلى الاعتقاد بأن توفيق الحكيم يفضل التعبير عن التفسير، والواقع أنه يؤكد على اهتمامه بالشكل والمضمون باعتبارهما معيارا فنيا جوهريا يقود عملية الإبداع. ومن ثم، فإذا كان التعبير في رأيه يولد الفنان أو الأديب الحقيقي (لأنه يشمل الأسلوب والموضوع، أي الشكل والمضمون)، فإنه يلح على ضرورة الترابط الوثيق بين المقولتين بحيث لا يمكن أن يوجد المضمون (الموضوع) خارج بنية شكلية (الأسلوب) كما يؤكد على ذلك «يوري لوتمان» Iouri Lotman. وبما أّنَّ المضمون يتحقَّق في الشكل، فإن هذا الأخير يخضع لتحولات واختيارات؛ لهذا اعتبر توفيق الحكيم التعبير مرادفا للأسلوب وجسده المفتوح: الشيء الذي يحيلنا على مفهوم الكتابة ما دامت الرسالة (أي التفسير) عنده هي المنظومة الموضوعاتية التي ينطوي عليها النتاج الأدبي.
- عـن الكتابــــة:
يقول توفيق الحكيم عن الأسلوب: «إنه عماد الخلق. عميـق
كالبحر في جوفه كل كنوز المعرفة التي يصبو إليها البشر.. إنه مزاج الفنان وطبيعته ووسيلته الخاصة في إظهار مكنون فكره. إنه روح وشخصية» [19].تذكرنا هذه التعريفات برأي «رولان بارث» عن الأسلوب حيث اعتبره «مجموعة من صور وانسيال وقاموس تولد من جسد الكاتب وماضيه، وأصبح آليات فنه» [20]. وإذا كان «بارث» يحدد الكتابة بأنها مصطلح ثالث يقف بين اللغة والأسلوب، فإن توفيق الحكيم يموضعها أولا في جانب الأسلوب «الذي لا يعني اللغة وحدها، بل ما تحمله في جوفها من ألوان الصور والأفكار» [21]. على أن الأسلوب لا يكفي وحده؛ بل لابد من تدخل التجربة الفردية «التي تكشف عن إمكانيات الذات المبدعة في اتجاهاتها المختلفة»، ومراعاة الصدق (أي محاكاة الواقع) وتكريس مبدإ الحرية «لأنها هي نبع الفن، وبغيرها لا يكون أدب أو فن». لهذا، يرى توفيق الحكيم أنه لا يوجد التزام قسري في مجال الكتابة تفرضه قوة في الوجود، أو يصدر عن وصاية؛ وإنما «ينبع الالتزام من طبيعة الفنان وتفكيره وعقيدته» [22].
*
* *
من الأكيد أن هذه التحديدات والضوابط هي ما يمنح الكتابة شكلها الفني أو الأدبي. إلا أن هذه الكتابة لا تكتسب قيمتها إلا إذا اشتقت مادتها من مصدر طبيعي. وهذا يعني أن التكلف هو تقويض لجمالية النتاج، الشيء الذي يلزم كل فنان أن ينهج أسلوبه الخاص الذي يتولد عن تمرس طويل واجتهاد شخصي، وعن دراسة عميقة لمعارف الأعلام وأساليبهم من الأقدمين والمحدثين. إنه (أي الأسلوب الخاص) المسلك الوحيد الذي يجعله يوازي (يعادل) بين المحاكاة والابتكار دون أن يطغى أحدهما على الآخر. «إذ كلما غلبت المحاكاة عليه، فإنه لن يضيف شيئا إلى ما سبقوه. وإذا أسرف في الابتكار، فقد قطع الصلة بينه وبين الآخرين وانفصلت حلقته في سلسلة التطورات الطبيعية في حياة الأدب وتاريخ الفن» [23].
باختصار، إن التعبير الذي يشمل الأسلوب والموضوع هو سر الكتابة الأدبية التي لا يمكن أن تظهر أشعتها وألوانها أو أنغامها لدى الفنان إذا لعب بها على وتر واحد مهما يكن هذا الوتر قويا صافيا أو نقيا» [24]. إن اللعب على وتر واحد هو تضييق لمجال الكتابة وسقوط في التكرار. لذا، يجب أن ينوع في التعبير، وأن يخرج كل الألوان وكل الأنغام وكل الأصوات وكل الضحكات «لأن قوة التعبير ليست في مجرّد ارتفاعه بل أيضا في اتساعه» [25].
*
* *
II - المنظـور الحكيمـي للمسـرح: (تحديدات نظرية)
يعد توفيق الحكيم كاتبا مسرحيا كبيرا فرض المسرح جنسـا
أدبيا في الثقافة العربية، وارتاد عوامله بكامل الشجاعة لأنه أراد أن يختزل في رحلة واحدة (أي على مدى ثلاثين سنة) ما قطعه الأدب المسرحي في اللغات الأخرى في ألفي سنة. إن محاولته هذه هي التي أدت إلى تعدد كتاباته الدرامية وإلى تمفصل فضاءاتها في واقع الحياة الاجتماعية، والتراث العربي، والحضارة الفرعونية، والاسترشاد بالمآسي اليونانية.
- المسرحيـة وموضـوعها:
ولكن أهم عنصر كان يقود هذه الكتابات هو خضوعها لقراءات سابقة في التراث المسرحي الغربي تهدف أساسا إلى تفكيك النصوص لإدراك أسرار صناعتها وتركيبها. وبالتالي، فإذا كان المسرح، كما يقول توفيق الحكيم، «فنا صعبا وأكثر الطرق امتلاء بالعوائق والصخور» [26]، فلأنه يفرض على المسرحي «أن يكون صاحب مرونة وتجربة وغوص ودرس... وبما أنه فن يصمد كالصخرة في طريقه، فإن عليه أن يعالجه بالصبر والكد المضني حتى يفجر منه الماء السلسبيل» [27].
وهذا يعني أن علاقة المؤلف بالعمل المسرحي ليست علاقة بسيطة، وإنما هي علاقة منظمة تهدف إلى «تحقيق جمالية الإبداع». لهذا، يؤكد توفيق الحكيم على أن المسرحية «هي كيان مبني» ينهض بناؤه على ثلاث مراحل: العرض والعقدة والحل، كما أنه يقتضي اختيارا موفقا للموضوع، أي العثور على «موضوع جيد»، بؤرة الصعوبة بالنسبة للمؤلف الذي يظل دوما ملزما «بخلق أشخاص دون أن تقع عليهم نقطة مداد من قلمه تفضح وجوده أو تكشف أن خلف مخلوقاته مؤلفا» [28]، كما أنه ملزم بـ «أن تكـون لـه حاسـة مسرحيـة، بمعنى أنه لا يدع أمـرا أو شيئا يقع عليـه
نظره أو تسمعه أذنه إلا وتُفرغُه تلك الحاسة في الشكل المسرحي» [29].
- مفهــوم المســرح:
نفهـم مـن هذا الكلام أن الكتابة للمسرح ليست عملية سهلة، لأن هذا الفن كما فهمـه
توفيق الحكيم «يعالج العام لا تفاصيل الحياة اليومية.. إنه قضية يرمي بها المؤلف إلى خشبة المسرح ويتركها إلى نهايتها الحتمية بهبوط الستار، دون أن يقف عند التفاصيل الصغيرة كما يحدث في الرواية... إنه كذلك «فن تركيبي لا تحليلي يتوجه إلى جمهور يشارك مشاركة فعلية في عملية الخلق وفي حل القضية المعالجة إضافة إلى مشاركته المتيقظة للمثلين والمخرج في كل حركة وكل عبارة يتذوقها» [30].
- الحـدث المسرحـــي:
وبما أن المسرح لا يقوم على تفاصيل الحياة في جريانها وتتابعها كما تفعل الرواية، فإن الحدث المسرحي يكمن في حركة الحوار وحركة الفكرة وحركة القضية التي تجعل المتلقي يشعر بأنه داخل حركة متطورة لا تنطوي على حوادث، لأن هذه الأخيرة ليست إلا عاملا ثانويا مادام جوهر المسرح هو إثارة الاهتمام بمشكلة إنسانية محدَّدة، ثم إشباع هذا الاهتمام. لذلك، لا يهدف المسرح إلى غاية إصلاحية قد تكون ثانوية بقدر ما يرمي إلى إخراج عمل فني جميل» [31].
- عـن الحــوار:
وبما أن توفيق الحكيم يعتبر «الفن نظاما»، وأن مرادف النظام لديه
هو «الاقتصاد، أي البيان بلا زيادة ولا نقصان»، فقد اهتم كثيرا بالحوار المسرحي، كما اعتمده أسلوبا لإخراج العمل الفني الجميل، خصوصا وأن عملية الإخراج هذه تخضع لمراعاة «قوة بناء» العمل الفني، أي أن على المسرحي أن «يكون مهندسا أدبيا» [32].
من هنا، فإذا كان الحوار في نظر هيجل «أسمى نمط للتعبير الدرامي»، فإن مهمته - كما يقول توفيق الحكيم - لا تنحصر «في سرد ما حدَث لشخوص المسرح، وإنما في جعلهم يعيشون حوادثهم أمامنا مباشرة دون وسيط أو ترجمان». وهذا يعني عنده أن مهمة الحوار «لا تقف عند رسم الشخصيات وتلوين المواقف، بل هو الذي يعوَّل عليه أيضا في تكوين الشخصيات وفي خلق جو المسرحية» [33].
إن هذا الطرح النظري يؤكد لنا على أن الحوار هو ركيزة الكتابة الدرامية لأنه يجعلنا نتعرف على المسرح باعتباره جنسا أدبيا. كما أنه يؤسس الحقيقة الدرامية. لذلك، فهو - كما نظر إليه توفيق الحكيم - «أداة المسرحية يقودها من بدايتها إلى نهايتها عن طريق التركيز والإيجاز والإشارة التي تفصح عن الطبائع واللمحة التي توضح المواقف» [34]. وهو أيضا مركز القصة المسرحية «وما تنطوي عليه من حوادث ومواقف لا يقصها علينا حكاية وقعت في الماضي، ولكنه يقيمها أمام أعيننا في الحاضر حية نابضة تتحرك». من هنا، فإن «الحوار هو الحاضر. هو ما يحدث في اللحظة التي نحـن فيها. حاضر أبدي لا يمكن أن يكون ماضيا أبدا» [35].
بعد هذا الطرح، يرى توفيق الحكيم أن الحوار «يختلف لونه وطبيعته
وروحه وطريقته باختلاف طبيعة الفنان وطبيعة العمل الفني» [36]. لهذا السبب، اعتبره «قالبا أدبيا، يشبه الشعر، لأنه ملكة تولد أكثر مما هو شيء يكتب، واستعداد طبيعي يميل إليه أولئك الذين يميلون إلى الاقتضاب» [37]. بعبارة أخرى، «لا يجب أن يقوم الحوار على الحشو والإطالة». وهذا يعني أن الأسلوب المثالي للمسرح تنحصر وظيفته في إبراز تماسك العمل الدرامي ووحدته من خلال بلورة الأحداث ومواقف الشخوص، وكذا من خلال تجسيد الموضوعة المعالجة. ومن ثم، فإن الحشو والإطالة يقوضان الطابع الأصلي للمسرحية التي يجب أن يتحول «كلامها» إلى حدث ومواقف لأن الفعل الدرامي ليس في نهاية الأمر إلا (حوارا) يتحول إلى «تمسرح» بعد أن ينكتب قبلا من لدن مؤلف أو كما قال الحكيم «كلما مَلكَ أديب ناصيته شرع في بناء المسرحية» [38].


عدل سابقا من قبل سفير اللغة و الأدب 1 في الجمعة 13 مارس 2009 - 20:39 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مصطفى بن الحاج

مصطفى بن الحاج


عدد الرسائل : 6067
العمر : 60
المنطقة : السوقر ولاية تيارت
المهنة /مكان العمل : أستاذ اللغة العربية و آدابها/ثانوية قاديري خالد
تاريخ التسجيل : 27/04/2008

مفهـوم الأدب والفـن لدى توفيـق الحكيم.......... Empty
مُساهمةموضوع: مفهـوم الأدب والفـن لدى توفيـق الحكيم   مفهـوم الأدب والفـن لدى توفيـق الحكيم.......... I_icon_minitimeالجمعة 13 مارس 2009 - 20:34

مفهـوم الأدب والفـن لدى توفيـق الحكيم
الجزء الثاني

هذه بعض المنطلقات النظرية حول المسرح لدى توفيق الحكيم. والواقع أن الدارس لكل كتاباته عن هذا الفن يستطيع أن يقف على فيض زاخر من آرائه الخاصة حول سبب اختياره للمسرح الذهني أسلوبا وتوجها فكريا، وكذا حول مساهمته في الكتابة لمسرح العبث، ومحاكاته للغربيين في إنتاج عمل يجمع بين الرواية والمسرح (المسرواية؛ بنك القلق). إضافة إلى ذلك، يمكن أيضا الوقوف على جملة من المحددات والضوابط عـن مفاهيم مسرحيـة مثـل المأسـاوي، والكوميـدي والتجريب والأصالـة وعلاقة المسرح بالفنون الأخرى.
وإذا كانت هذه المحددات والآراء توسع أفق نظريته عن المسرح، فإن أهم ما يجب مراعاته هو اعتقاده الراسخ «بأن القوالب المسرحية والأشكال الفنية هي مجهودات مشتركة واجتهادات إنسانية متداخلة، وأن بنية الفن، شأنها شأن بنية كل جسم، تحتاج في بنائها إلى كافة العناصر الداخلية (أي المحلية) والخارجية (أي المستَنبَتة أو المستعارة).
في هذا الصَّدد، اهتم توفيق الحكيم - رغم تأكيده على استحالة التخلص من القالب المسرحي الغربي - بمراجعة تراكمات الفرجة المصرية الشعبية ومنها ما يقدمه على الخصوص الحكواتيون والمقلدون والمداحون . وبما أن هؤلاء كانوا يعتمدون الملاحم والسير مادة عملهم وتواصلهم مع الجمهور «الذي كان يجد فيها أخصب المتع الفنية»، فقد لمس فيهم «أدواتيين» يستطيع كل واحد منهم أن يقدم للمتفرجين روائع المسرح العالمي، وأن يكسيها طابعا شعبيا رغم انتمائها إلى الثقافة العليا.
لكن هذا الطرح النظري - كما حدده توفيق الحكيم - تعترضه صعوبة كبيرة، كما يقول: هي «إيجاد المقلد الموهوب الذي لا يتقمص الشخصيات كما يفعل الممثل في المسرح، وإنما يرسمها تحت أعيننا رسما واعيا مع احتفاظه بشخصيته الحقيقية شانه شان النحات الذي يباشر عمله أمام ناظريه» [39].
إن هذا الوعي بأهمية تشعيب الثقافة العليا عن طريق اعتماد المقلد الموهوب واستثمار فنياته قد دفع بعض المسرحيين إلى الاسترشاد بنظرية توفيق الحكيم، وإلى تأصيل أعمالهم عبر الاجتهاد النظري الرامي إلى تأسيس صيغة مسرحية عربية تراعي ثنائية الأصالة والمعاصرة.
III - توفيـق الحكيـم والفن التشكيلـي
رغم أن توفيق الحكيم لم يكن رساما، فقد كان شغوفا بفن الرسم وبعوالمه ومجالاته منذ أن كان في باريس «يتردد كل يوم أحَد على متحف "اللوفر" ويقضي في أروقته ست أو سبع ساعات يقف خلالها، بمعدل ساعة، أمام لوحة واحدة» [40]. وإذا كان هذا الافتتان بالفن عموما يرجع إلى تشبعه بالفنون القديمة، ومنها على الخصوص الفرعونية والإغريقية، فإن انشغاله بالفن التشكيلي كان وليد علاقته بشيخ يدعى السيد «هاب» الذي لقنه «مفاتن الفن وفتح بصره على جمال النحت والعمارة والتصوير والآداب القديمة» [41].
انطلاقا من هذا التلقين وما تبعه من زيارات للمتاحف ومناقشات حول الفنون، تفتحت عيناه، ثم عرف كيف يقرأ اللوحة ويعلق عليها اعتمادا على ثقافة فنية واسعة. لهذا، فإذا كان توفيق الحكيم لا يشكل تيارا نظريا جماليا مكتملا في الثقافة التشكيلية العربية (رغم ندرة تمظهر هذا التيار)، فإنه قد ابتكر لنفسه مقاييس ذاتية خولت له «تحقيق استقلالية على مستوى التأمل والتقدير والاستنتاج». إن هذه الاستقلالية هي التي بلورت توجهاته النظرية في مجال التشكيل وأوصلته إلى بعض الطروحات الهامة نشير إلى بعضها فيما يلي:
- الخلـق الفنـي لدى القدمـاء وعند العـرب
في حديثه عن الخلق الفني لدى المثَّال المصري، يرى أن هذا الأخير «له بصيرة غريزية أو مدرَّبة تجعله ينفذ إلى ما وراء الأشكال الظاهرة، والإحاطة بقوانينها المستترة. وبالتالي، فإنه لا يعنيه جمال الجسد ولا جمال الطبيعة من حيث هي شكل ظاهر؛ وإنما تعنيه الفكرة والقوانين الباطنية التي تسيطر على الأشكال، لأنه يشعر بالهندسة اللامنظورة التي تربط كل شيء بكل شيء، كما يشعر بالكل في الجزء والجزء في الكل» [42].
إن هذا الشعور هو، في نظر توفيق الحكيم، أولى علامات الوعي في الخلق والبناء. وهذا ما جعل المثَّال المصري يصور روح الأشكال لا أجسامها كما جعل من الفن المصري «سرا مغلقا» إلى حدود أوائل القرن العشرين، لأن الحضارة التي ينتمي إليها هي حضارة مستقرة تقوم على الزهد والتفكير فيما وراء الحياة (القلب والروح)، كما تقوم على السكون. على عكس الحضارة الإغريقية التي تمارس العقل والمنطق، الشيء الذي أدى إلى أن يكون فنها فنا ماديا يقوم على الحركة (أي الحياة: كما تشهد على ذلك تماثيل الآدميين العارية الأجساد)، كما يقوم على الروح. وهذا ما حوله إلى فن «تجميل للطبيعة إلى حدّ إشعارها بنقصها».
أما بالنسبة للفن العربي، فإنه يقوم على لذة الحس والمادة لأنه نتاج السرعة (اللذة) واللاستقرار. ولأنه كذلك، فقد كانت ركيزته «الزخرفة» التي هي نتاج الحلم باللذة والترف. ولولا الزخرفة لضاع الفن المعماري العربي، لأنها أجمل وأعجب فن خلده التاريخ [43].
وهكذا، فبين عنصري الاستقرار واللاستقرار يتموضع البناء الفني أو ينمحي نهائيا حيث «إن الاستقرار هو أساس التأمل. والتأمل هو الذي يوحد الميثولوجيا والخيال الواسع والتفكير العميق والإحساس بالبناء.
على ضوء هذا التحديد، يرى توفيق الحكيم أن إنجاز العمل الفني الكبير في مجال النحت والتصوير (التشكيل) يفرض على من يزاوله «أن يكون ذا إحساس عميق بالتناسق العام، وأن تكون ركيزته التأمل الطويل والوعي الداخلي للكل في الجزء وللجزء في الكل. إن هذا الامتلاك (الإحساس العميق والوعي الداخلي) هو الذي يخلق الفن العظيم «الذي لا يتحقق في نظر الحكيم إلا عبر اقتران الروح بالمادة، والسكون بالحركة والاستقرار بالقلق والبناء بالزخرف». وهو ما لمسه في فنون الحضارة اليونانية التي تقوم «على صراع بين ديونيزوس رمز الروح والقوى الحفية الشائعة والنشوة، وأبولون رمز الفردية والشخصية المفروزة والوعي» [44].
*
* *
IV - الفـن التشكيلـي وإنجـاز اللوحـة
لا شك أن وراء هذه الآراء مرجعيات ثقافية لأن المطلع على تنظيرات الحكيم في التشكيل عموما يدرك مدى عنايته بخصوصيات هذا الفن وتذوقه بعقلية كلاسيكية وحديثة. يقول في هذا الصدد: «أنا موزع بين الكلاسيك والمودرن (الحديث) لا أستطيع أن أقول مع الثائرين: فليسقط القديم، لأن القديم أيضا جديد علي. فأنا مع هؤلاء وأولئك» [45].
إن هذه المزاوجة بين الفن القديم والحديث هي وليدة قناعة ذاتية: وهي أن التشكيل «هو فن الألوان». وبما أن الفن بمفهومه العام، سواء كان قصة أو شعرا أو موسيقى أو تصويرا، هو في نظره خلق إنساني جميل لا أقل ولا أكثر» [46]، فإن اللوحة «ليست في الحقيقة إلا قصة تمثيلية داخل إطار تقوم فيها الألوان مقام الحوار». أما جوهر إنجازها من لدن الرسام، فإنه «يتطلب الملاحظة والإحساس والتعبير باللون باعتبار هذا الأخير سر خلود اللوحة وإكسير حياتها» [47]. لكن هذه المتطلبات لا تكفي وحدها لتشكيل جمالية العمل الفني ما لم يتحقق معها عنصران أساسيان هما: البنيان أو التراكيب (la Composition) ثم الإيقاع (le Rythme) الذي يعدّ روي اللوحة وتنغيمها [48].
بناء على هذه الفرضيات، يرى توفيق الحكيم أن التشكيل هو «فن حسي لا ذهني» عالمه الضوء والرؤية، والتيقظ لألوان الطبيعة الذي يجعل الفنان «النابض بالحياة متيقظ الحاسة إلى حدّ الوحشية أو متيقظ الروح إلى حدّ الصوفية» [49]. لهذا، لا يجب الاعتقاد بأن اليقظة الحسية أو الروحية في الفن «هي وقف على عصر من العصور، وإنما ترجع أحيانا إلى طبيعة الفنان وحده وحالات نفسه المتغيرة أحيانا أخرى». من هنا، يؤمن توفيق الحكيم بأن «مصادر الفن الحديث تستمد حقها [يقصد مرجعيتها] من الفنون الأولى مباشرة: الشيء الذي جعل تيمة الفن الحديث تنحصر «في محاولة إعادتنا إلى النضارة الفطرية البدائية القائمة على البساطة إلى حدّ التركيز، وعلى استلهام فن الزنوج الذي ترك آثارا واضحة في التصوير الحديث والموسيقى الحديثة والرقص الحديث» [50].
- العيــن ترصـد الألــوان:
إن هذه الاستنتاجات عن الفن التشكيلي هي التي خولت للحكيم قراءة اللوحات عن طريق رصد ما تقوم عليه من تركيب، وخطوط، وألوان، وحركات أجسام إلى درجة أن العمل التشكيلي لم يعد في نظره سوى «نتاج كائن (يقصد الفنان) يعيش في داخله جنبا إلى جانب حيوان وإله». لكن أهم أداة يعتمدها هذا الكائن في عمله هي «العين»، لأن «امتلاءها بالألوان في الحياة والطبيعة والفن شرط لازم في التصوير» [51]. وتلك حقيقة طالما رددها رسامون كبار أمثال ليونارد دفنسي الذي أكد على أن العين - باعتبارها نافذة الروح - هي الطريق الرئيسية التي تمكن ذهننا من تثمين فعل الطبيعة بامتلاء وعظمة» [52].
خلاصــــة:
إذا كان توفيق الحكيم يرفض أن يكون فيلسوفا أو أن تطلق عليه صفة الفيلسوف، فإنه يريد في المقابل أن يكون فنانا، وأن يبلور لنفسه تصورات فنية وفكرية وذلك بطريقة مباشرة. وبما أن الفلسفة، كما يقول، هي نتاج أذهان متعددة لإنتاج فكر واحد، فإنها تختلف، كما يقول، عن الفن الذي هو عمل فردي. لهذا اتخذ من الفن عملا فرديا وتجول في عوالمه كاتبا ومنظرا: «لا يدري أين سيحط به القلم» [53]، ولكنه يدرك أن «الجمـال الفنـي وُلـد كامـلا في قلب الإنسان»، لأن الله «خلقه على صورته وأعطاه الإحساس بالتناسق» [54].
من هنا، يمكن القول بأن تنظيرات توفيق الحكيم عن الأدب والفن لا تتحرك في نطاق قوانين أو قواعد منهجية صارمة. وإنما تقوم على حدوسات وكشوفات فردية تجعله يتجنب السقوط في مهاوي التوثيق والنقل الحرفي لمقولات المنظرين الذين سبقوه.
بتعبير آخر، إن نظريته ترتكز على مفاهيم تصورية ذاتية وتصوغ أسئلتها من فرضيات نابعة من قراءته للتـراث الأدبي والفنـي الغربي، وكذا من اطلاعه على التراث الثقافـي العربي. وهذا ما أدى إلى تعدد منظوراته التي تتقاطع فيها مصادر معرفية متعددة تتراوح بين مفاهيم الكلاسيكية والرومانسيـة والحداثـة الفنيـة وخطابات النقـد التقليـدي والحديـث.
لكن أهم ما يتحكم في نظريته ومنطلقاتها هو الجانب الإنسانوي (Humaniste) الذي يرى ضرورة انشغال الفنان بقضايا الإنسان «ودراسة أسراره وإبرازها بريشة صادقة للعيون والعقول». لهذا اعتبر الأدب «شيئا جميلا. وجنة لا صخب فيها، ومعبدا لا تدخله الأحقاد» [55]. بل وأبعد من ذلك، أطلق على الفنون كلمة «شعر» لاعتقاده أنه «لا يوجد فن عظيم بغير شعر. أي بغير تلك المادة التي تجعل الناس يدركون بالأثر الفني ما لا يدركُونَه بحواسِّهم وملكاتهم».
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مفهـوم الأدب والفـن لدى توفيـق الحكيم..........
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حدائق اللغات والعلوم الإنسانية :: أوليات :: منتدى الأســــاتــــذة-
انتقل الى: